نهاية الكتاب الورقي ومصير المكتبات

التغريدة السابقة هي تغريدة من بين عشراتٍ رأيتُها عن أوضاع الكتاب الورقي والمكتبات. ببساطة الكتاب الورقي في اضمحلال وهذا واضح لأي صاحب مكتبة أو حتى مجرد مهتم بالقراءة والكتب عمومًا.

أنا شخصيًا، من أنصار الكتاب الرقمي وبشدة وضراوة. اشتريتُ قبل عدة أشهر جهاز القارئ الإلكتروني Onyx Boox Note 3 وراجعتُه، وإلى اليوم قرأت عشرات الكتب عليه في فترة وجيزة فقط بسبب مميزاته التي يوفرها:

  • الوزن الخفيف: لا أحتاج حمل كل هذه الكتب معي أينما ذهبت، بل هي مجرد ملفات رقمية أضعها على القارئ الإلكتروني وأفتحها متى ما شئت. يمكنني أن آخذ معي 10000 كتاب ولن يحتاج ظهري لأن يحمل غرام واحد زيادة. هذه النقطة مهمة جدًا ويبدو أن أصحاب المكتبات يغفلون عن أن قسمًا كبيرًا من العرب مهاجرون حاليًا بسبب الأوضاع في مختلف الدول، وبالتالي، لا إمكانية لديهم لإنشاء مكتبات أو حملها معهم أينما ذهبوا.
  • أخذ الملاحظات والمقتطفات: كثير من الأساتذة الذي أسمع لهم يؤكدون كثيرًا على ضرورة امتلاك طالب العلم لدفاتره الخاصة التي يلخص فيها كل ما يقرؤه أثناء رحلته في طلب العلم. لكن أخذ الملاحظات والمقتطفات على الكتب الورقية عملية بدائية جدًا؛ تحتاج أن تستخدم الورقة والقلم، ثم تحتاج أن تؤمن هذا الدفتر بحيث لا يبلى مع السنوات (تنتبه لنوع الورق، الغلاف، الحبر المستعمل… إلخ)، أو لعلك تنقل محتواه من الدفتر القديم إلى دفترٍ جديد كل بضع سنوات مثلًا، وهذه مضيعة للوقت؛ أن تصرف كل هذا الوقت فقط في لوجستيات بدلًا من عملية القراءة والكتابة وأخذ الملاحظات الفعلية. في الكتاب الرقمي؛ يمكنني عبر القلم الإلكتروني كتابة الملاحظات في نفس الكتاب الذي أقرؤه، ثم حفظها إما على نفس ملف الـPDF أو ملفٍ آخر، ثم تصديره لخدمات المزامنة الإلكترونية مثل Dropbox وغيرها بحيث لا يبلى مع الزمن مهما حصل، كما يمكنني استخراج الصفحات التي علّقتُ عليها فقط من بين كل الصفحات وتصديرها هي منفصلةً في ملفٍ منفصل إن أردت ذلك، ويمكنني تحديد أي قسم من الكتاب لأشاركه مع من أشاء وأينما شئت.
  • الوصول: أنا مثلًا مقيم في بلد أجنبي وليس هناك الكثير من المكتبات العربية هنا، وبالتالي لا يمكنني أن أصل لكل الكتب الورقية التي أريد الوصول إليها. الكتاب الرقمي يحل هذه المشكلة، فهو مجرد ملف تحمّله من الإنترنت (إما من موقعه الرسمي بعد دفع المال لشرائه، أو من مصادر أخرى).
  • المال: لنكن صريحين ونقل أن أغلبنا يقرأ العشرات من الكتب سنويًا والتي لم يدفع ثمنها، ببساطة لأنه لا يقدر على ذلك. لا أريد الدخول في النقاش الفقهي حول حقوق الملكية الفكرية وهل هي من الإسلام أم لا، وهل يجوز لصاحب العلم كتمه تحت غطاء المال ثم منع الآخرين من توزيع الكتاب بعد شرائهم إياه… إلخ، لكن المحصلة العملية والنتيجة الملموسة التي يمكننا الجميع الإحساس بها ببساطة هي أننا لن نحتاج الدفع لقاء كل هذه الكتب الكثيرة جدًا التي نقرؤها إن استخدمنا الكتاب الرقمي.
  • المزيد من المال: الكتب الورقية بعد شرائها بحاجة لمكان تخزين، ولهذا أنت بحاجة لعمل مكتبة وشراء إطارات ولوجستيات… إلخ بحيث تحتفظ بكتبك التي قرأتها لترجع لها بعد مدةٍ من الزمن إن احتجت ذلك. كل هذا أنت في غنىً عنه إن استخدمت الكتاب الرقمي، فهو مجرد ملف على جهازك الإلكتروني.

أقول كل ما سبق لأؤكد لأصحاب المكتبات والمهتمين بالقراءة: نهاية الكتاب الورقي حتمية، ولا يعني هذا بالضرورة أنه سيختفي من الوجود مثلًا، بل سيصبح حصير المكتبات وفئة قليلة جدًا من الناس التي تفضل رائحة الكتاب وملمسه مع فنجان القهوة الصباحي بدلًا من الفعالية والإنتاجية الحقيقية في القراءة.

لكن المشكلة هي أن أصحاب المكتبات، كما في التغريدة التي استفتحنا فيها هذه التدوينة، لا يدركون هذا الأمر، بل يريدون أن يحفروا في نفس الخندق رغم جميع العوامل والمؤشرات التي تخبرهم أنه لم يعد هناك ذهبٌ هنا.

على أصحاب المكتبات إذًا تطوير أنفسهم ومكتباتهم بحيث تواكب العصر وتهيئ نفسها لهذه النهاية الحتمية:

  • إن كان لديك كتب ورقية فالآن هو أفضل وقت لتصويرها بنفسك وإتاحتها للشراء رقميًا عبر موقع إنترنت تابع لمكتبتك. لا تخف من القرصنة؛ إن كان الكتاب مهمًا فسيُقرصن في جميع الأحوال، لكن وضعك إياه رقميًا سيجلب لك مبيعات من الناس القادرين أو المريدين لذلك من كل أنحاء العالم، على عكس تركه ليشتريه أولاد حارتكم فقط.
  • على المكتبات أن تغير من نموذجها الربحي. بما أنه لم يعد هناك الكثير من الناس الذين يشترون الكتب الورقية فعلى المكتبات أن تبحث عن طرق أخرى لجعل الناس يدخلونها، حتى لو كانوا لن يشتروا الكتب منها. أنا مثلًا – صدقًا – كنتُ لأحب الجلوس في المكتبات التي لديها مجموعة من الكتب النادرة مثلًا وأقرأ فيها لمدة ساعات، لكن الحاصل هو أنه في معظم العالم الإسلامي ما تزال المكتبات مجرد نقاط بيع (Point of Sale)؛ يريدون بيعك الكتب دون أي مكان للجلوس أو قراءة هذه الكتب، فقط اشترِ الكتب واذهب من هنا. على هذا النموذج أن يتغير ويمكن فعل ذلك بطرق عدة: نوادي للقراءة، مسابقات قراءة جماعية حول كتاب معين مع جوائز، افتتاح مقهى صغير داخل المكتبة وتهيئة مكان للجلوس الطويل واستعارة الكتب وقراءتها داخل المكتبة دون أخذها للخارج باشتراك شهري… الكثير من الأفكار موجودة.
  • هناك خدمات جانبية يمكن للمكتبات توفيرها، فأنا مثلًا أبحث منذ فترة عن أي كتب قد تفيدني في مجالات تشكيل الفِرَق وإدارتها، وإدارة المشاريع الفردية التي أفتتحها وأريد جلب فريق معي ليساعدني، والنظام الوقفي في الإسلام وطريقة تطبيقه على مشاريع معرفية مثلًا وعلاقة ذلك بعلم الإدارة… لكنني ببساطة لا أعرف أسماء هذه المجالات بالضبط أو لم أتمكن من العثور على كتب بالأفكار التي ذكرتُها. هنا يمكن أن يأتي دور المكتبات والقائمين عليها؛ فهم تمر عليهم آلاف الكتب ويمكنهم أن ينصحوني مثلًا بأسماء لكتب يستحسنونها لي بمقابل مادي (مثل استشارة مدفوعة حول القراءة). فكر في هذا المجال قليلًا وستجد الكثير من الأفكار الأخرى التي يمكنك تطبيقها.
  • إن كنت تبحث عن أفكار للتطبيق العريض (Applying at Scale) فمن بينها مثلًا التعاقد مع خبراء حول مجالات معرفية معينة وربطهم بالقرّاء المهتمين بتلك المجالات المعرفية (والتي تشمل الكتب الموجودة في مكتبتك). فمثلًا، إن كنت صاحب مكتبة بها الكثير من الكتب حول علم الاقتصاد، فيمكنك أن تربط الطلاب الجدد أو المهتمين عمومًا بعلم الاقتصاد وكتبه بالمتخصصين في علم الاقتصاد الذين تعرفهم أو الذين يمكنك الوصول إليهم، وتأخذ أجور مادية من الطرفين لقاء الجلسات التعليمية التدراسية هذه حول الكتب التي عندك. هكذا تتحول المكتبات إلى مراكز تعليم بين معلم وطالب يجلس كل اثنان منهم على طاولة ليتناقشوا حول الكتاب.
  • المكتبات أفضل مكان للحملات الجماعية لتمويل ترجمة العلوم إلى اللغة العربية؛ افتح حملة إلكترونية واطلب جمع 5000$ لقاء ترجمة الكتاب الفلاني من الإسبانية إلى العربية وتوفيره لكل من اشترك في حملتك. أنا أعلم أن المكتبات بحاجة للدفع لقاء حقوق الطبع والنشر، وبحاجة للدفع للمترجمين والمدققين وغير ذلك، وكل هذا فقط لتوفير كتاب واحد ليستفيد منه الناس. يمكنك أن تستفيد من نادي القراءة التابع لمكتبتك في معرفة الكتب التي يطلبها الجمهور، ثم توفرها لهم “حصريًا” عبر هذه الحملات التي تعملها.

الأفكار كثيرة جدًا كما ترى ولا تنتهي، لكن المهم هو التطبيق. إن كان أصحاب المكتبات يظنون أن الناس ستظل تشتري منهم رغم كل التطور التقني المتزايد كل يوم في القراءة الإلكترونية فهم مخطئون، ويراهنون على الفرس الخاسر.

ولهذا فتدارك الأزمة من الآن وتهيئة الحلول لمواجهتها هو أفضل حل بدلًا من انتظارها لتأتي ثم الخروج من العمل والإغلاق عند ذلك.

3 سنوات على التخلص من فيسبوك

تمر هذا الشهر 3 سنوات على حذف حسابي من فيسبوك والتخلص منه، شرحتُ أسبابي لفعل ذلك في التدوينة الأولى، ثم سجّلت شعوري في العام الأول وكذلك في العام الثاني.

الآن نحن في العام الثالث.

ما تزال النعم التي أُحطتُ بها عند تخلصي من فيسبوك تزداد، ولا تكادُ تحصى.

مضت خلال هذه السنوات الكثير من الحوادث والمُجريات التي علّق الكثير من الناس عليها؛ ترامب، بايدن، الانتخابات، تفجير لبنان، كورونا، اللقاح ، الصين، طالبان، التغير المناخي، الذكورية، النسوية، قتل الزوجات لأزواجهن وقتل الأزواج لزوجاتهم، استجواب الشيوخ في مصر، العنصرية ضد السوريين… قضايا كثيرة أشبعها أهل العالم الأزرق ضربًا وطحنًا ونقاشًا بين بعضهم البعض، ثم ذهبوا في اليوم التالي وكأن شيئًا لم يحصل ليبحثوا عن مواضيع أخرى ليطحنوا بعضهم فيها.

الحمد لله الذي عافانا من كل ذلك، الذي عافانا من أن نقول كلمةٍ لا نلقي بها بالًا قد نهوي بها إلى النار، أو يرتفع ضغطنا أو ينخفض فقط لأن أحد مجاهيل الإنترنت يريد الخوض معنا في عراك.

  • “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”.
  • “إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي في الآخرةِ أساوِئُكم أخلاقًا الثَّرثارونَ المُتَفْيهِقونَ المُتشدِّقونَ”.
  • “قلتُ يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ؟ قال أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتِكَ”.

انظر إلى هذه الشريعة العصماء كيف تدفع الناس إلى تقليل الكلام، والسكوت، والانكباب على العمل وفعل الخير، بينما جميع مواقع التواصل هذه أول ما تستفح عليك به: “بماذا تفكر يا محمد هاني؟ عن ماذا تريد أن تكتب؟ فلان علق عليك ورد على منشورك وكتب كذا وكذا”.

الغيبة والنميمة التي حذّر منها هذا الدين، تشجع هذه المواقع عليه عبر أزرار “إعادة المشاركة” فيبدو لصاحب المنشور أن فلانًا وفلانًا يقولون عنك كذا وكذا وكذا.

ومن أجل ماذا؟ للتسلية وإضاعة الوقت، وحتى هذه الفائدة التي تظن أنها فائدة ليست كذلك بالواقع، وقد شرحتُ في المقالات السابقة كيف أن كتابًا واحدًا تقرؤه عن المجالات التي أنت مهتمٌ بها تغني عن ألف ألف منشور فيسبوك مبعثر هنا وهناك، لأن الكتب مكتوبة بمنهجية وتسلسل ومواضيع محددة ومن خبراء، بينما المنشورات الاجتماعية مجرد جرعة دوبامين أراد أن يستفزها أحدهم.

أريد من الناس أن يتخلوا عن هذه المواقع والعادات السيئة، أريدهم أن يتحرروا كما تحررت.

وجدتُ أن أفضل حلٍ لذلك إشغالهم – لا شعوريًا – بالقرآن، وهذا عن طريق فيسبوك نفسه. نعم، فيسبوك الذي تركتُه قبل 3 سنوات صرتُ أستعمله كأداة لإخراج الناس منه.

صفحتنا “دقائق من القرآن” التي تحدثتُ عنها مسبقًا في موضوع الأتمتة، تكاد تقترب إلى 100 ألف متابع. آية بسيطة يسمعونها – مُختارة بعناية لتحدث فيهم تأثيرًا – قد تُخرجهم من الوحل الذي هم فيه. من أجمل لحظات حياتي عندما يسألني أحدهم عن اسم القارئ في تلك المقاطع الصغيرة، لأتفاجئ به بعد أسبوع وهو ينشر تلاواتٍ على حسابه لوحده بدلًا من التفاهات التي كان ينشرها مسبقًا. تتغير حياته ويتغير ما يستمع إليه، فقط لأنه سمع مقطعًا جميلًا لتلاوةٍ جميلة على صفحة فيسبوك رآها بالصدفة.

لا يمكننا إخراج الجميع ببساطة وسهولة من ذلك القفص، لكن تحويلهم على الأقل من التفاهات إلى أسمى ما يمكن للإنسان أن يسمعه في الوجود خطوةٌ أولى. لا يمكننا حل المشكلة من جذورها بكبسة زرّ، لكن يمكننا استعمال نفس الأنظمة وفق المقدور عليه للخلاص منها.

أدعو جميع من يقرأ هذه التدوينة، إلى فعل نفس الأمر وترك ذلك العالم الأزرق يحترق بما فيه، ورؤية الحياة كما هي في الواقع ثم العمل على تغيير النفس وتغييرها، فما تعلمه من مشاكل وعيوب نفسك جديرٌ بأن تغلق عليك بابك، وتبكي على خطيئتك.

إن لم تمتلك مدونة فامتلك

يجب على كل إنسانٍ معاصر قادر على امتلاك مدونة شخصية أن يمتلكها.

يزورك فيها الناس ليتعرفوا عليك وعلى أفكارك، أو لربما يتصلون بك عبرها للاتفاق على خدمات وصفقات ومشاريع يمكنك أن تنفذها. تنشر فيها بأريحية عن كل ما يمكنك النشر عنه، ضامنًا وجودك في هذا العالم وأن كل شخصٍ يبحث عن شيءٍ متعلق بالمجالات التي تجيدها سيصل إليك.

دونها، ستظل مجرد حساب فيسبوك وتويتر يمكن إغلاقه في أي وقت أو سلب المحتوى منه، هذا عدا عن أن حسابات التواصل الاجتماعي غير مناسبة للأرشفة والبحث وتصفح المحتوى والمقالات، بل هي بوابة لنشر منشورات وتغريدات سريعة لإيصال الرأي والفكر لا أكثر ولا أقل، وتنتهي فاعليتها – غالبًا – بعد 24 ساعة من نشر التغريدة أو المنشور.

المدونة أكبر من ذلك، المدونة هي بيتك الرقمي.

  • تعرّف فيها عن نفسك وخبراتك للآخرين.
  • توثّق فيها تجاربك في الحياة في مختلف المجالات.
  • تتواصل مع أناس آخرين قد يشاطرونك نفس الاهتمامات، ويعلّقون على محتواك.
  • تنشر فيها أفكارك عن أي شيء تريده، ضامنًا أنها لن تنتهي بمجرد موتك.

أعرف الكثير من الأصدقاء المتخصصين أصحاب الخبرات الذين عملوا في العشرات من الشركات على امتداد حياتهم واكتسبوا تجارب لا تعد ولا تحصى، لكن ببساطة لا أحد يعرفهم، لأنهم لم يكتبوا عن تجاربهم ولم ينشروها أو يوثّقوها في مدوناتٍ شخصية.

بالنسبة للعالم الخارجي، هؤلاء غير موجودين، إن ماتوا فجأة فلن يعرف أحدٌ عنهم شيئًا إطلاقًا سوى من تعامل معهم مباشرةً، وحتى من تعاملوا معهم مباشرةً لن يعرفوا كل شيءٍ عنهم، بل فقط ما تعاملوا معهم به.

سينقضي أثرهم وينتهي بمجرد وفاتهم، لأنه لا يمكن الوصول لأفكارهم وآرائهم وما أنتجوه من نتاج فكري بعد موتهم. والمدونة الشخصية هي أسهل وأبسط حل لتجنب ذلك؛ فقط أنشأ مدونة وضع رابطها في حساباتك على مواقع التواصل.

تكلفة المدونة الشخصية بسيطة:

  1. 10$ ثمن اسم نطاق سنويًا (مثل 142.93.175.42).
  2. 5$ شهريًا ثمن خادوم VPS من أحد شركات الاستضافة.
  3. الباقي فقط تثبيت برمجة ووردبريس (أو أي نظام إدارة محتوى تريده) وعمل المدونة الشخصية.

إن لم تكن تريد كل هذا، فيمكنك ببساطة البدء مع المدونات المجانية من ووردبريس، فقط سجّل عندهم وستحصل على مدونة مجانية يمكنك فعل ما تشاء بها. بعد أن تبني جمهورك وتصبح قادرًا على الدفع، يمكنك الانتقال إلى خادومك الخاص.

توفيت قبل يومين أحد الأخوات ممن كان لهن فضل في مواجهة الخطاب النسوي والذكوري، وحث الناس على فعل الخير، هناء الماضي رحمها الله، أثرها لم ينتهي بوفاتها، ببساطة لأنها منشورة على مدونتها الشخصية وقناتها على تلجرام.

في وفاة صافي

عندما كنتُ صغيرًا كنّا نسكن ببيتنا القديم في حيّ العزيزية بحلب. كان من جيراننا زوج وزوجة لديهما ولدان اثنان، كانت هذه العائلة كثيرة المشاكل لكنني ككل الأولاد كنت ألعب معهم من حينٍ لآخر وكنا نذهب لنشتري الحاجيات من البقّال مع بعضنا البعض. حياة روتينية بين الجيران.

وصلني اليوم للتو خبر مقتل الأمّ والابنين الاثنين بقذيفة أثناء عبورهما الحدود التركية السورية.

لقد كنّا نسكن نفس المبنى وظللنا نسكنه لسنوات، لكن سبحان الله كيف اختلفت حياتنا هذا الاختلاف الكبير.

الأولاد لم يكونوا متعلمين ولم يذهبوا للمدارس بينما أنا ذهبت. وكانوا من الطبقة الفقيرة عمومًا ولذلك حالهم لم يكن مستقرًا، وقد كانت هناك مشاكل عائلية جمّة في عائلتهم. عمل الأولاد في المهن الحرفية المختلفة من نجارة وحدادة والمطاعم وغير ذلك ولم يتمكنوا أبدًا من متابعة الدراسة.

اليوم وبينما أنا أتجهز للبدء بإعداد أطروحتي بالماجيستير عن شبكات الجيل الخامس والشبكات المركبية والخصوصية، لا يسعني سوى أن أتذكر شريطًا طويلًا من الذكريات مع أولئك الأطفال الذين عاشوا حياةً طويلةً من المشاكل والمعاناة والفقر، ثمّ انتهت حياتهم بقذيفة أثناء محاولتهم الهروب من تلك الحياة.

إنه من المثير للاهتمام جدًا كيف تختلف حياة ساكني المبنى، وكيف تختلف الأقدار التي كتبها الله لهم.

لا يسعني هنا سوى التذكير بأننا نحن، أهل النعم الذين أنعم الله علينا بوسائل التعلم والعلم والرفاهية والاستقرار المختلفة، علينا واجبٌ ومسؤولية ضخمة لا يمكن أن يستوعبها عقل. وهي مسؤولية تكبر كل يوم ولا تتوقف عن النمو، بينما نحن في ذواتنا نصغر للأسف منزوين في زوايانا حول مشاكلنا التافهة وأزماتنا المفتعلة.

من الواجب علينا أن ننشر كل ما لدينا من علم لمن استطعنا، وأن نغير حياة كل من دوننا في الإمكانيات والرزق للأفضل. هذه النعم الجمّة التي أحاطنا الله بها هي شيءٌ سنُسأل عنه يوم القيامة وعن ماذا فعلنا فيها عندما قدرنا عليها.

صافي كان اسم الفتى الذي كنتُ ألعب معه، بين السيارات والحارات.

رحمة الله عليك يا صافي أنت وأهلك، وأسأل الله أن يبدلكم حياةً أفضل من الحياة البائسة التي عشتموها في هذه الدنيا.