اللاقومية واللاوطنية

من أكثر الأمور التي تم محاولة زرعها في هذه الأجيال لتعزيز ثقافة الإنقسام بين الشعوب، فلان سوري ومصري وأردني ولبناني وسعودي وجزائري ومغربي.. الخ، مجرد كلمات لا معنى لها، ككلمة الوطن بالضبط، ما معنى الوطن ؟ لا شيء، إنه مجرد مكان بسيط وُلدتَ فيه على هذه المسكينة، أنت لم تختر وطنك، ولم تختر قوميتك، ولم يتم استشارتك حتى في ذلك، فعلى ماذا التفاخر والانتساب؟ أنا أفهم أن يفتخر الإنسان بعمله أو بشيءٍ صنعه، ولكنني لا أفهم مطلقًا أن يفتخر بشيء ليس له أي يدٍ فيه، من الذي خلقك على تراب هذا البلد أو ذاك؟ الله، فعلى ماذا وجود الوطنية والقومية؟

أكثر ما يثير اشمئزازي هو تلك التعليقات الجاهلة التي تراها هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي، “أنا فلان من الدولة الفلانية وأحب فلسطين” وتحته تجد 426 إعجاب، “أول شاب من البلد الفلاني يخترق موقع كذا”، “مخترع الشيء الفلاني هو من البلد الفلاني”، “اللي من الدولة الفلانية يسلخ لايك” تسلخك عنزة إن شاء الله، وكأنك اخترت بيدك أن تكون من هذه الدولة أو تلك.. لا أفهم كيف لشخص مُسلم أن يتخلى عن هويته كمُسلم ليأتي ويقول أنا من هذا البلد أو ذاك، عندما يصفك أحد باللاوطنية فعليك أن تفتخر، لأنك إنسان نقي من تلك العصبية الجاهلية التي تدعو للنزعة العرقية التي لم نجني من وراءها سوى وجع الرأس.

Read More

المهمة

في حياة كل إنسان منا خيار كبير ليتخذه، البعض يفضل العيش بطريقة عادية كمليارات البشر السبعة الذين يولدون كل يوم ويدرسون بالمدرسة ثم يتخرجون من الجامعة ويتزوجون ويشترون بيتًا وسيارة وينجبون أولادًا ثم على الدنيا السلام، مجرد أعداد وهمية لن يتذكرهم أحد بعد مئة سنة من دفن رُفاتهم، ليس لأنهم فعلوا شيئًا سيئًا، بل لأنهم لم يفعلوا شيئًا من الأصل.

الحياة هي اختيار، إن كنتَ تريدُ العيش كفردٍ عادي فذاك خيارك، ولكن لاتتوقع البتة أن يكون لك مكان بين أولئك الذين خلدَ التاريخ أسمائهم وقصص نجاحهم [أنا لستُ أفضل منك بالمناسبة والكلام موجه لي]، أنت لديك بصمة واحدة لكلتا عينيك، وبصمة واحدة لإصبع إبهامك، ولكن قد يكون لديك الملايين من البصمات على البشرية في حال وضعتَ لنفسكَ مهمةً لتحقيقها، إنها خسارة روحية فادحة للبشرية بكل روحٍ تولد كل يوم لتموت بعد 70 سنة ولم تقدم شيئًا للبشرية سوى عدد إضافي، أنت لاتتصور معنى العيش العادي بالنسبة لشخص يفكر خارج الصندوق، إنه أقرب للانتحار الروحي، ماذا قدمتَ لأمتك؟ لاشيء، تلك قيمتك، وهذا أثرك.

ماهي المهمة؟ حددها الله بقوله: {وما خلقتُ الجنّ والإنس إلّا ليعبدون} ولكننا نخطئ جدًا هنا إن فسّرنا العبادة بالصلاة والصوم والزكاة، العبادة هدفٌ أكبر من ذلك بكثير، فقط اجعل الله راضيًا عنك، ولكلٍ طريقته، المهم ألا تكون إنسانًا عاديًا مثلك مثل الملايين غيرك، ضع لنفسك مهمةً واضحة في حياتك واسعى لتحقيقها.

على الجانب الآخر لا يمكن للجميع ألّا يكونوا “عاديين”، من سيقوم إذًا بالمهام الروتينية التي نراها ونحتاجها كلّ يوم؟ بل على العكس أيضًا، 90% من البشر يجب أن يكونوا عاديين لكي تستمر الحياة، وهنا يأتي دورك في تحديد طريقك: حياة مريحة بنهاية صغيرة أم حياة أليمة بنهاية كبيرة؟ لذا كلامي هنا لن يكون موجهًا للجميع، هذه طبيعة الحياة.

سيكون شعورًا رائعًا حقًا وأنت تلفظ آخر أنفاس حياتك، لكنك تعرّف أنّ المهمة اكتملت، أنك حققت وجودك في هذه الحياة ولم تعد تريد شيئًا آخر من البقاء فيها، إنّها لذّة تحقيق الوجود.