التحذير من «جامعة الناس» أو “University of People”

هنالك جامعة بدأت نشاطها منذ عدة سنوات، تُدرّس مجالات علوم الحاسوب وريادة الأعمال وغير ذلك عبر شبكة الإنترنت، ويدفع الطالب أقساطه الدراسية ويحصل بعد فترة الدراسة (عدة سنوات) على شهادة من هذه الجامعة. اسمها «جامعة الناس» أو “University of People”.

هذه جامعة إسرائيلية، مقرها إسرائيل ومؤسسها إسرائيلي.

يمكنك التأكد من ذلك عبر استعراض معلومات الجامعة واسم مؤسسها هنا من هذه المقالة على nytimes، ثمّ يمكنك استعراض صفحة هذا الشخص على ويكيبيديا وستجد أنه إسرائيلي.

أجد هذه الجامعة بدأت تروج جدًا لنشاطاتها خصوصًا بين الطلاب العرب تحديدًا؛ وكأنه وجه من أوجه التطبيع الخفي مع إسرائيل أنه لا بأس أن يتخرج الطلاب العرب من مختلف أنحاء العالم العربي من الجامعات الإسرائيلية. لديهم صفحة فيسبوك باللغة العربية ويعملون العديد من الإعلانات المدفوعة لها بين المستخدمين العرب (أنا وصلني الإعلان شخصيًا).

وللأسف بعض ضعاف النفوس لا يعبؤون بذلك، بئس التعليم وبئس الشهادة والله!

على المهتمين بالموضوع الحذر والتحذير منها وعدم الانضمام إليها أو الترويج لها مهما قدّمت من تخفيضات ومنح دراسية. هذا فضلًا عن كون شهادتها افتراضية وهي غير معترف بها في معظم دول العالم أصلًا.

تحديث في 2023م شهر مارس: يخاطبني بعض السفهاء أدناه بتعليقاتٍ من نوع “عادي، نحن نطلب العلم، الحكمة ضالة المؤمن، حصلنا على منحة مجانية”… ينسى هؤلاء الهلاميّون أن تخرجهم من هذه الجامعة وتسويقهم لها هو جذب للمال لها؛ فيصبح اسمها مذكورًا على ألسنة الناس ويريدون معرفتها والتسجيل فيها بعد أن كانت مغمورة، وكل هذا لأن صاحب المنحة المجانية العبقري هذا لا يدرك أن تخرّجه بشهادة هذه الجامعة هو تسويق مباشر لها ورافعٌ لاسمها بين اسم الجامعات، مما يدفع الطلاب الذين ليس لديهم منحة إلى التسجيل فيها أيضًا.

هذه تغريدة لمؤسس هذه الجامعة على تويتر، وهو يشكر الحكومة الإسرائيلية نفسها على ترويجها له (رابط)! ويروّج لجامعته عبر منح مجانية للطالبات الأفغانيات “اللواتي يعانين من الجحيم تحت طالبان”، أي أن الجامعة هي وسيلة تغلغل أخرى في المجتمعات هذه.

جمع هذا الصهيوني المال الكافي لفتح الجامعة من مؤسسة أخرى افتتحها قبل ذلك تهدف إلى “توفير التعليم للإسرائيليين المحرومين منه في المجتمعات غير الصديقة”… فأنت هنا لا تتحدث عن مسكين ذنبه الوحيد أنه ولد كإسرائيلي ثم تخلّى عنها وذهب للخارج، بل تتحدث عن صهيوني بحت. الرجل حرفيًا يقول لك أن هدفه من فتح الجامعة هو التطبيع وجعل الأمر عادي أن يدرس عربي مع إسرائيلي:

وهذه مقابلة أخرى يتحدث فيها عن رؤيته للصراع وإسرائيل، يقول فيها بالحرف أن هدفه من إنشاء الجامعة هذه أصلًا هو جمع الفلسطينيين والإسرائيليين مع بعضهم البعض في مجال التعليم بهدف السلام! (أرشيف، أرشيف 2).

صرنا في وقتٍ فيه الكثير من الجامعات الأخرى التي تعمل عن بعد وليس هذه الجامعة فقط، فلا يأتي بعدها هلامي ليحصر العلم في هذه الجامعة الصهيونية. لسنا نتحدث عن جامعة “يهودية” حتى يستشهد أحد بالتعامل مع اليهود، بل هذه صهيونية مركزها إسرائيل ومؤسسها خدم بالجيش الإسرائيلي نفسه.

والعجيب، كل العجب، أن هؤلاء أنفسهم يفرحون بموقف لاعب رياضي مثلًا عندما ينسحب من مواجهة لاعب إسرائيلي، رغم أنها مباراة رياضية فقط لا أكثر، بل ويعتبرونه “تطبيع” أن يلعب لاعب عربي مع لاعب صهيوني. ثم فجأة عندما نتحدث عن برنامج دراسي مدته 4 سنوات في الجامعات الصهيونية يطير هذا العنفوان والإباء، وتصبح الحكمة ضالة المؤمن حتى في بالوعة بني صهيون. ويكأن العلم ليس موجودًا إلا عند هؤلاء.

من أكبر الوسائل التي تمتلكها الأمة العربية والإسلامية للضغط على الصهاينة هي مقاطعة جامعاتاتهم ومؤسساتهم ومنتجاتهم، والحد من انتشارهم ونفوذهم، ثم تجد أبناء جلدتنا في الأسفل لا يهمهم إلا حياتهم الدنيا وما فيها من شهادات وليذهب كل شيء بعده إلى الجحيم.

أسأل الله تعالى ألا يبارك لأي إنسان يسجل فيها، وأن تبقى طوال عمرها غير معترف بها فيكون كل من سجل فيها قد صرف سنوات من عمره أدراج الرياح ليذوق وبال أمره. وأسأل الله تعالى أن يعجّل بهلاك هذا الكيان الصهيوني نفسه؛ فيذهب هو وهذه الجامعة معه عن هذا العالم للأبد.

القرآن كصدقة جارية مع الأتمتة أنموذجًا

مأمورون نحن في إسلامنا بإخفاء أعمالنا وصدقاتنا الجارية وعدم إبدائها لأحد، فهو أدعى للإخلاص وطلب الثواب والأجر عند الله تعالى دون انتظار شيءٍ من البشر. لكن ما دفعني إلى كتابة هذه التدوينة اليوم هو أنه على الرغم من كل محاولاتي السابقة لتشجيع وتحفيز الناس لاستخدام التقنية عمومًا والأتمتة خصوصًا لتسهيل حياتهم ومشاريعهم وعمل المبادرات التي يريدون عملها بسهولة، فهم لا يزالون لا يفهمون بالضبط عن ماذا أتحدث وكيف يمكن لهذه الأشياء أن تعمل معهم.

إنهم يظنون أنها شيءٌ صعب لا يمكن فعله إلا من المحترفين، أو شيء سيحتاج الكثير من المتابعة لاحقًا… وهذا غير صحيح.

أنا مضطرٌ، على مضض، للحديث اليوم عن مشروعٍ بدأت العمل عليه قبل حوالي السنة. واضطراري هذا هو لأنه يبدو أنني لا أمتلك طريقةً أخرى لشرح فائدة هذه الأدوات العظيمة في خدمة أمتنا وأهدافنا دون أن أقدم نموذجًا كاملًا لها.

دقائق من القرآن” هي مبادرة فردية أنشئتها في بداية جائحة كورونا. كان الفيروس لا يزال جديدًا على الساحة والرعب منه كبير والمرء يتحسس الموت على رقبته اليوم أو غدًا. فكّرت في نفسي أنني لو متُ في يومٍ من الأيام بسببه فلا أريد لعملي أن ينقطع، وأريد صدقة جارية أن تستمر ورائي.

وجدتُ أبسط حلّ لفعل ذلك هو إنشاء صفحة على فيسبوك تعرض فيديو، كل يوم، مدته دقيقة، لتلاوة مختارة من القرآن الكريم. اخترت هذا لأنه طالما المطلوب هو الحسنات فإيصال كلام الله إلى الناس كل يوم هو أمرٌ ممتاز بذاك الخصوص، وفي الحديث: “أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ”. دقيقة أو دقيقتين تلاوة خاشعة جميلة قد تغيّر حياة إنسان ما، فقد تجعله يترك الموسيقى أو يتجنب منكرًا أو يصير يهتم بالقرآن شيئًا فشيئًا، فيجرّه القرآن إلى أمورٍ أخرى هو بحاجتها.

عمومًا، عمل ذلك سهل نظريًا، فكل ما عليك فعله هو إنشاء صفحة فيسبوك ثمّ رفع الفيديوهات يومًا بعد يوم… صحيح؟ لا. هنا المشكلة. أنا أعمل وحدي (أو أريد أن أعمل وحدي) وبالتالي في حال حصل لي مكروه فلن أتمكن من رفع الفيديوهات وستنتهي هذه المبادرة والصفحة معها، كما أنني غير قادر على متابعة المشروع يوميًا (مهما كان المطلوب صغيرًا)، لا أريد تعيين مشرفين وما إلى ذلك فهذا سيجعل المبادرة تتوقف حتمًا بعد فترة إن ملّ ذاك الشخص… مالحل إذًا؟

الأتمتة (Automation) هي الحلّ.

بفضل خدمة Integromat التي كنتُ قد حدثتكم عنها مسبقًا، وباشتراك 9$ شهريًا فقط (المزيد عن هذا في نهاية التدوينة) يمكنني أتمتة الكثير من المهام تلقائيًا، وجعل الصفحة ترفع بنفسها الفيديوهات التي أريدها دون أي تدخل مني، وتعيد رفعها تلقائيًا بمجرد الانتهاء من رفعها جميعًا.

هكذا، باستمرار، إلى الأبد، أو إلى أن يشاء الله.

سيناريو الأتمتة كان على الشكل التالي:

ببساطة لديّ مجلد على خدمة المزامنة Dropbox يحتوي جميع مقاطع القرآن التي أريد نشرها على الصفحة، وهي مرقمة حسب الأرقام مثل 1.mp4 وهكذا… لدي ربما حوالي 20 مقطع قصير لتلاوات القرآن الكريم جمعتها من اليوتيوب بعد تقطيعها لفيديوهات مدتها لا تتجاوز الدقيقتين أو الثلاث دقائق:

يقوم سيناريو الأتمتة السابق ابتداءً من اليوم الأول بأخذ أول مقطع فيديو، وينشره على صفحة فيسبوك وتويتر الساعة العاشرة مساءً، ثمّ يأخذ اسم الملفّ (الذي هو 1.mp4) ويزيده برقم 1 (فيصبح 2.mp4) ويحفظ تلك القيمة في قاعدة بيانات مخزّنة على المنصّة. في اليوم التالي سيأخذ السيناريو اسم الملفّ الذي هو 2.mp4 ويأخذ الملف المطلوب من مجلد Dropbox المحدد ثمّ ينشره على الصفحة، وسيعيد العملية إلى أن يبلغ العدد الكلي للملفات، حيث سيُعاد الرقم إلى 1.mp4 وتبدأ الدورة من جديد، ببساطة.

هكذا، كل ما عليّ فعله هو وضع الفيديوهات ضمن المجلد على Dropbox، وبعدها ستنشر تلك الفيديوهات الواحدة تلو الأخرى كل يوم للناس.

هذا مثال على أحد تلك المنشورات، والتفاعل لدينا على كل منشور بالمئات والحمد لله، بين أناسٍ تشاهد، وأناسٍ تُشارك، وأناسٍ تعلّق:

الرقم العشوائي الذي تراه في نهاية كل منشور هذا لأنني اكتشفت أنّ فيسبوك يقلل وصول المنشورات إن كانت جميعها تستخدم نفس النصّ المرفق، ولذلك احتجت إضافة رقم عشوائي في نهاية كل منشور لخداع خوارزميات فيسبوك.

لإشهار الصفحة استفدتُ من إعلانات فيسبوك الممولة. وباستهداف الجمهور المغاربي عمومًا يمكن للمرء أن يصل لأكثر من ربع مليون إنسان أسبوعيًا بمبالغ منخفضة:

اليوم هناك حوالي 65 ألف معجب في صفحة دقائق من القرآن، ومنذ كل يوم من تاريخ 12 مارس 2020م، هناك فيديو لتلاوة القرآن الكريم تُنشر على الصفحة تلقائيًا دون أي تدخل منّي على الإطلاق.

نشرتُ هذه التجربة لأنني أريدها أن تكون محفّزة لمن يرغب بعمل مشاريع شبيهة بأدنى التكاليف ودون أي تدخل لاحق منه. نعم هذا ممكن، ويمكنك أن تستفيد من هذه الأدوات أيما استفادة إن عملتَ بجدّ عليها وعلى ما يمكنك استخراجه منها.

لأجل ذلك نشرت التدوينة السابقة حول الأتمتة وما يمكن فعله عن طريقها ولماذا هي مهمّة، كما دعوت إلى التمرّس فيها عدة مرات مسبقًا.

وقتي ضيّق لهذا لم أعمل الكثير من المبادرات والمشاريع الشبيهة، لكن يمكن لمن يفهم الأتمتة بصورة جيّدة أن يطلق عشرات بل وربما مئات المشاريع المختلفة على الويب العربي بهذه الطريقة، فيجعلها جميعًا مؤتمتة بحيث لا تتطلب تدخلًا بشريًا منه لاحقًا.

مشاريع شبيهة لنشر محتوى مؤتمت آخر (قصص، أحاديث نبوية، مقتطفات من كتب، لقطات شاشة… إلخ)، مشاريع حول آخر الأخبار بمجال معين (آخر الأخبار بالعملات الرقمية مثلًا)، مشاريع لأرشفة المحتوى عند نشره تلقائيًا… وغير ذلك الكثير مما يمكن لكم أن تتخيلوه.

بخصوص تقطيع الفيديوهات الكبيرة لتلاوات القرآن الكريم التي أجدها على يوتيوب إلى فيديوهات أقصر مدتها دقيقة أو دقيقتين… برمجتُ سكربت بايثون ليقوم بالمهمّة، حيث أحدد له فقط اسم الفيديو وأوقات التقطيع التي أريدها وهو سينتج لي الملفّات الصغيرة مباشرةً. شرحت العملية بالتفصيل في هذه المقالة الإنجليزية.

النقطة الوحيدة التي يجب عليك الانتباه لها من أجل عملية أتمتة سلسة تستمر حتّى بعد موتك هي وسيلة الدفع لخدمة Integromat; لا تريد أن تتوقف كلّ سيناريوهاتك مباشرةً عند وفاتك مثلًا لأن بطاقتك الائتمانية قد توقفت عن العمل. في هذا الحل يمكنك أن تسند مهمة الاحتفاظ ببطاقتك الائتمانية ودفع الديون التي عليها لأحدٍ من أفراد أسرتك شهريًا مثلًا، أو يمكنك استخدام أحد بطاقاتهم أو حساباتهم، أو ببساطة تخبرهم في حال وفاتك أن يتابعوا سير الموضوع ويربطوا الخدمة بوسيلة دفع من عندهم.

آمل أنّ هذا سيفتح بعض الآفاق الممكنة لأفكار ومبادرات ومشاريع ومهام يمكن أتمتتها بسهولة وتسهيل القيام بها عليكم، وآمل أن تفتتحوا بأنفسكم مشاريع شبيهة تكون لكم أجرًا وزادًا يوم القيامة إن شاء الله.

عن ثغور في الويب العربي وتعليم التقنية

اتخذت سنة 2016 قرارًا بترك التدوين في الويب العربي والاتجاه إلى الأجنبي. تحفّزت حينها بالمردود المادي والمعنوي والانتشار والوصول والتغيير الذي يمكن لكلماتي أن تجنيه فقط إن غيّرت لغة الكتابة التي أكتب بها، ولم أبالِ بما خلّفته ورائي من مشاريع وثغور لم يعد يعمل عليها أحد. افتتحتُ FOSS Post باللغة الأجنبية كما عملتُ على بعض مشاريع البرمجيات مثل المسجّل الأخضر وغيرها.

كتبتُ في 2018 قبل أن أحذف حسابي على فيسبوك أنّه كان قرارًا صوابًا. اليوم أقول لقد كان هذا قرارًا خاطئًا.

لكن ليس للأسباب التي قد تظنها، من صعوبة المنافسة أو قلة المردود في الويب الأجنبي أو ما شابه ذلك، ففي الواقع لقد حققتُ مبتغاي من هذا التحوّل، لكن لأسباب أخرى لم آخذها بعين الاعتبار.

من فرض الكفاية على الأمّة أن يقوم أفرادها بتعلم العلوم التي تحتاجها وينشروها لبقية الناس. هذا فرض كفاية عام من قام به من الأمّة سقط عنها، أمّا إن لم يقم به أحد فتأثم الأمّة كلها فردًا فردًا.

ما هي العلوم التي نحتاجها لنهضتنا؟ نحتاج الكثير من التنظير الفكري وتنظير الهوية والدين والثقافة، بالإضافة إلى العديد من مجالات صناعة الدنيا كالهندسات والطب والعلوم. الآن بالنسبة لنا نحن كتقنيين عرب وفي الويب العربي نجيد استخدام التقنية إلى أبعد حدود، مالذي تحت أيدينا؟

أنا منضم في بعض المبادرات التطوعية التعليمية وأشاهد كيف يعملون من الداخل. أبكي بحرقة كلما أعلم أنهم يعتمدون على أشخاص متطوعين ليصلّحوا 10000 ورقة طالب في كل امتحان يجرونه، ولديهم 50 حساب مختلف على منصات التواصل الاجتماعية لا يعرفون كيف يديرونها بسهولة ويستخدمون خدمات الأتمتة للنشر فيها، بل ينشرون عليها بشكل يدوي… قنوات يوتيوب وتلجرام وفيسبوك وتويتر، كلها عليها أفراد متطوعون منهم يقومون حرفيًا بإهدار آلاف الساعات من أعمارهم فقط في هذه المهام الروتينية.

يريدون الوصول لجمهور أكبر، لكن لا يعرفون كيف يستخدمون إعلانات فيسبوك لعمل حملات ممولة رخيصة لجلب أكبر الجماهير بأقل التكاليف.

هواتفهم وحواسيبهم الشخصية كارثة، عليها 100 برنامج لا يعرفون من أين أتت وكلهم يشتكون من البطء والتعليق والفيروسات والمشاكل التي تواجههم في أنظمة ويندوز وأنظمة الهواتف.

طلاب العلم الذين لا يعرفون أين وكيف ينشرون محتواهم على منصّات التدوين ويحفظونه للآخرين… ينشرونه بشكل غاية في سوء التنسيق ويضيع ويندثر ولا يسمع به أحد. ربما جل ما يعرفونه عن التقنية هو استخدام المكتبة الشاملة.

الناشطون والعاملون الذين يعانون بشكلٍ كبير من المراقبة وانتهاكات الخصوصية وغياب الأمان الرقمي… لماذا؟ لأنهم لا يعرفون.

ملايين العاطلين عن العمل في العالم العربي من رجالٍ ونساء، والذين لا يعرفون شيئًا عن العمل الحر والعمل عن بعد، هؤلاء قد تتغير حياتهم حرفيًا بمجرد مقال يقرؤونه عن هذه الأشياء ليفتح لهم الطريق.

سألتُ نفسي – وأنا التقني الذي يعرف الحلول لكل هذه المشاكل – لماذا لا يعرف هؤلاء كيف يحلون مشاكلهم؟ ببساطة لأنّ أحدًا لم يعلّمهم. لا يوجد في كامل الويب العربي أي شروحات ذات قيمة عن هذه الأشياء للأسف. فيصير الأمر متروكًا لكل فردٍ منهم أن يبحث بنفسه ويتعلم كل هذه الأشياء لوحده، وهذا ما لا يمكنهم فعله مع انشغلاتهم الأخرى، فنصل إلى الواقع المؤسف الذي نحن فيه.

لم يخطُر على بالي للأسف من قبلُ قطّ أنّ نشر هذه العلوم وتعليمها للأمّة كلها هو فرض عين عليّ أنا وعلى أقراني الذين يبرعون في استخدام التقنية، لأننا قادرون عليها وعلى تعليمها للناس على عكس البقية الذين لا يدركون ذلك. هو فرض كفاية على الأمّة، ولكنه فرض عين علينا نحن. نحن حرفيًا نجني أكوامًا من الخطايا والآثام في كل يوم لا ننشر فيه العلوم التي لدينا لأهلنا وناسنا.

وهذا مختلف عن مناطق العلوم الأخرى بل واللغات الأخرى؛ لأن فرض الكفاية يسقط بمجرد أن تقوم به جماعة كافية من الناس. لكن أين هذه الجماعة الكافية من الناس في يومنا هذا؟ كل من يريد أن يشرح أهم الأشياء وأكثرها تقدمًا في التقنية باللغة العربية يأتي ليبيعنا دورات بـ400$ أو كتب بـ50$ أو مقالات مدفوعة. لا أفتي بأن هذا لا يجوز ولكنني أراه لا يجوز، لأنّه احتكارٌ للعلم الذي لا بديل فيه للناس، فلو كان هناك من يعلّم برمجة الجافا مثلًا في الويب العربي بشكلٍ كامل وجئت أنت لتعمل دورة مدفوعة عن تعليم الجافا، فحينها لا مشكلة لأن الآخرين لديهم وصول إلى نفس المعارف التي لديك. لكن ما يحصل للأسف لدينا هو أنّ أصحاب المعرفة يحتكرون هذه المعرفة ويكتمون هذا العلم، ولا ينشرونه إلّا بمقابل مادي ولا يوجد بديل آخر لهم، مما يمنع الأمّة من الوصول إلى العلوم والمعارف التي تحتاجها. ولهذا يأثمون جميعًا وبل وتأثم الأمّة معهم لأنّها لم تنتبه ولم تخرّج بدائل لهؤلاء فيما هي بحاجته.

من الثغور الحقيقية التي يؤجر المرء عليها اليوم: نشر التقنية وتعليمها للناس وتسهيل حياتهم وأعمالهم عبرها. بل ربّما يكون هذا من أهم الثغور خصوصًا في المستقبل حيث تقترب منّا حروب الذكاء الصناعي والـ5G والعملات الرقمية، حيث ستصبح أداة الحرب والجهاد كلّها أصلًا هي التقنية.

الآن؟ لا يوجد لدينا من يعلّم أبسط أساسيات استخدام التقنية باللغة العربية من استخدام الحواسيب والهواتف والأتمتة والنشر الإلكتروني والوصول للخدمات، فكيف سنصل حتى إلى الحديث عن أشياء مثل شبكات الجيل الخامس؟

إن أبقى الله العبد الفقير فسأحاول حل هذه المشاكل عبر مشاريع قريبة في الويب العربي عن ذلك. حاليًا أعمل على كتاب عن الأمان الرقمي سيُنشر قريبًا بإذن الله، كما أعمل على فهرس كامل شامل للبرمجيات مفتوحة المصدر ونظام لينكس سيُنشر على لينكس اليوم. تأتي بعده مشاريع أخرى إن شاء الله.

لكن اليد الواحد لا تصفّق! وهذه دعوة لكل مسلم عربي يجيد استخدام التقنية ويعرف هذا المجال أن ينشر باللغة العربية كل ما يعرفه، بالمجان، في كل المنصات والأماكن التي يمكنه الوصول إليها. وإذا تعاونت مجموعة من الناس على هذا الهدف – أي إسقاط فرض الكفاية عن الأمّة في التقنية – فالنتيجة طيبة بإذن الله لمستقبل هذه الأمّة، ولمستقبل هؤلاء الأفراد في الآخرة إن أخلصوا نيّاتهم لله.

سنتان على التخلّص من فيسبوك

قبل سنتين بالضبط وفي مثل هذا اليوم، حذفتُ حسابي على فيسبوك بالكامل بعد أن كنتُ على تواصل بأكثر من 1600 شخص فيه ما بين صديق ومتابع. ونعم القرار والله ونعم الخيار.

تحدثت في نفس تلك التدوينة والتدوينة الأخرى التي كتبتُها قبل عام عن أضرار فيسبوك كشبكة اجتماعية وفائدة التخلص منه ولن أكرر ما قلته، لكنني أريد أن أحدثكم عن بعض التغييرات التي حصلت على حياتي ضمن تلك الفترة.

  • صفاء عيش وراحة بال لا مثيل لها. لم يعد هناك نافذة للنقاش معي إلا أن كان الشخص أمامي وأعرفه ويعرفني وليس مجرّد عابر سبيل مجهول على فيسبوك لا يبالي بخُلُق ولا دين. عندما تغلق أبواب النقاش مع الضوضائيين ولصوص راحة البال فسترتاح بشكل لا تتخيله.
  • الراحة النفسية من سماع صوت الإشعارات ورؤية “فلان قام بالرد على تعليقك” شيء لا تتصوره. عندما ترى تلك الإشعارات – وخصوصًا إن كان النقاش محتدم – فستشعر بقلق نفسي وارتفاع بالضغط في كل مرة تجد إشعارًا جديدًا ممن يرد على تعليقاتك، وهذا على مدار اليوم وعلى امتداد السنوات التي تستعمل ذلك الموقع اللعين فيها. ماذا يقولون عمّا كتبته؟ ماذا يقولون عني؟ مالذي قالوه بعد مشاركة منشوراتي؟ من يتابع من؟ كل ذلك الهراء انتهى.
  • صرتُ أكثر قدرةً على تحجيم الأمور بشكلها الحقيقي. عندما ترى منشورًا عن ترويج الشواذ بين اللاجئين السوريين في ألمانيا مثلًا وتحته بضع عشرات من آلاف الإعجابات التعليقات فحينها تقول نحن في كارثة حقيقية. ثم عندما تنظر إلى الواقع لا تجد عدد من يدعمون ذلك سوى بضع عشرات من السقط. فيسبوك يعطي الأمور حجمًا أكبر أو أقل من حجمها الحقيقي وهذا في قضايا مختلفة.
  • ستتخلص من الضغط “الفيسبوكي” لإرضاء المتابعين والمعجبين. هذا شيءٌ يتسلل إليك كنفاق دبيب النمل دون أن تشعر حيث تصبح منشوراتك وتعليقاتك هي لإرضاء المتابعين بدلًا عن قول ما تعتقده حقًا بغض النظر عما يظنونه. وهذا التأثير تدريجي ويزداد مع مدة بقاءك في هذه المنصّة، وهذا شيءٌ ألحظه جدًا في الناس، أن من يستخدمون هذه الشبكات بكثرة هم أكثر عرضة للانسحاق الثقافي أمام الغير مقارنةً بأولئك المنعزلين عنها.
  • هناك نوع من الوهم الذي يبيعه فيسبوك وهو أنّه مصدر للمعرفة. فيسبوك ليس مصدرًا للمعرفة ولكن بسبب متابعتك لذوي العلم وأصحاب الهمم فيه ومتابعتك لما ينشرونه هناك تظن أن هذا مصدر حقيقي مفيد للمعرفة وتظل تريد أن تتمسك به، لأنّه ليس لديك بديل، أو تتوهم أنّه ليس لديك بديل. بعد أن تتخلص منه، ستجد أنّك كنت محبوسًا في فقاعة صغيرة ضمن كامل الكون الأعظم. لأنك ستضطر بعدها أن تتحول لمصادر من نوع آخر كالكتب والدورات والمقالات، وإذا ضبطت الأمر بمنهجية بدلًا من العبث فحينها ستندهش وتتساءل لماذا كنت طيلة عمرك في الفقاعة بدلًا من أن تخرج للكون الأعظم؟ كتاب واحد تقرؤه بل وسلسلة كتب تقرؤها بمنهجية ستعطيك من المعارف ما لا يعطيك إيّاه مليون منشور فيسبوك.
  • النضج. أنت لم تعد مطالبًا بالتعليق على كل حادث أو خبر كبير يحصل في العالم وبالتالي تفكيرك ورأيك حوله سيكون أكثر تركيزًا ونضجًا. إذا كنت ترى 100 شخص على فيسبوك من أصدقائك يتحدثون ويهرون حول تفجير لبنان فحينها أنت كذلك ستتحفز للهري معهم.
  • الوقت. كل هذه الأوقات التي كنت تضيّعها على ذلك المواقع صارت ملكك الآن لتصرفها في شيءٍ آخر تراه مناسبًا في حياتك.

ما زلتُ أدعو الناس إلى أن يتركوا هذه المنصّات ويتجهوا إلى شيءٍ يمكنهم أن يتحكموا به أكثر: أنفسهم. لا تحتاج أن تعرف الأخبار ولا ماجرى في العالم وخبر مقتل سليماني وأخبار كورونا وسقوط الطائرات ثم تفجير لبنان… كل هذه الأخبار مرت عليك بعد أن أنهكت نفسك في متابعتها والرد على الناس بشأنها ثم تركتها وتخلّصت منها ولم تعد إليها مرةً أخرى. صارت مجرد أوقاتٍ صرفتها بالعبث على شيءٍ لا يفيدك.

هناك حيلة أخيرة قد يلجأ إليها الشيطان: أن يقنعك أنّك بحاجة إلى أن تظل هناك لتظل على تواصل بأصدقائك ومعارفك والصفحات والمجموعات التي تديرها. حل هذه المشكلة بسيط عبر حذف حسابك الأساسي وإنشاء حساب بديل يكون فيه الصفحات التي تديرها والناس الذين تريد التواصل معهم فقط، دون وضعك لأي تسجيل إعجاب لأي صفحة أو متابعة أي شخصية أخرى. هكذا حتى لو فتحت حسابك هذا فستجده فارغًا طوال الوقت فلن تعود إليه إلّا عند الحاجة القصوى، وستحافظ على إمكانية النشر في مجموعاتك وصفحاتك لبقية الناس.