كيف تغير العمل الحر منذ 5 سنوات ولماذا هو المستقبل؟

دوّنت قبل أكثر من خمس سنوات تجربتي مع العمل الحر، وكيف أنني تمكنت من تغطية تكاليفي ومصاريفي – كطالب – بنفسي بالاعتماد على مهارات التدوين والكتابة والترجمة ولينكس والبرمجيات المفتوحة وغيرها.

اليوم سوق العمل الحر العربي اختلف كثيرًا عن السابق، وهناك تطورات أكبر تجعل العمل الحر في وضعٍ أفضل مما كان عليه قبل 5 سنوات.

سنتحدث في هذه التدوينة عن بعض تجاربي الشخصية في الويب الأجنبي كمستقل وكيف يمكن جني الأموال هناك من التدوين والكتابة والمهارات التقنية، كما سنتحدث عن آخر التطورات في العمل الحر عربيًا.

تجربتي في الويب الأجنبي والعمل المستقل

قد يعلم البعض أنني أدير FOSS Post؛ وهي منصة أجنبية باللغة الإنجليزية حول لينكس والبرمجيات مفتوحة المصدر. ندوّن فيها عن مختلف المواضيع من شروحات ومقالات مطوّلة ومقالات رأي وتحليلات وغير ذلك. لدينا حوالي 50 ألف زائر بالشهر.

في أيام ذروتها – وقبل أن أخمل عن التدوين فيها – كانت FOSS Post تدرّ نحو 200-300$ شهريًا من الإعلانات. هذه الإعلانات كانت تأتي من أرباح جوجل أدسنس. 

كانت تأتينا دفعة قوية من الزيارات عند نشر كل مقال جديد بسبب خدمة Google Discover (شيء مثل 20 إلى 30 ألف زائر في أقل من 48 ساعة)، وهي خدمة من جوجل يبدو أنها تنشر روابط المقالات الجديدة والمثيرة للاهتمام لجمهورٍ عريض من المستخدمين على أجهزة الموبايل، فيأتينا نحو 70-100$ ربح بمجرد نشر مقالة جدلية مثيرة للاهتمام.

بما أننا ندوّن في مجال البرمجيات مفتوحة المصدر فهناك جمهور مستعد للتبرع ودعم المشروع. كانت تصلنا أحيانًا ما بين 40$ إلى 70$ شهريًا فقط من أرباح التبرعات:

من المُلاحظ أن هذه التبرعات كانت تأتي من الجمهور المهتم بالمواضيع التي نغطّيها؛ فمثلًا إذا كتبنا مراجعة عن توزيعة أوبن سوزا، كان أحدهم يأتي ويتبرع بـ50$ مباشرةً لوحده. أي أن هذه التبرعات كان من الممكن لها أن تكبر وتستمر عبر تغطية مشاريع أخرى مفتوحة المصدر لها جمهور أكبر.

المصدر الثالث الكبير للأرباح هو من بيع الروابط؛ تأتينا كل فترة عروض لإضافة روابط دوفلو (DoFollow) إلى بعض مقالاتنا. نبيع الرابط الواحد بحوالي 60 إلى 100$. كل شهر هناك رابط أو رابطان نبيعهما بهذه الطريقة.

هناك بعض الداعمين لنا على موقع باتريون، وعددهم لا يتجاوز 3 حاليًا وقد كانوا 5 لعدة أشهر قبل ذلك. لا بأس بهم لتغطية تكاليف خادوم الـDigitalOcean (سعر الاستضافة) وسعر اسم النطاق على الأقل.

للأسف منذ عدة أشهر أنا لم أتفرغ لـFOSS Post ولذلك خَمَلَت الأرباح وانخفض تدفق الزوار إلى الموقع بنسبة 40% بسبب تحديثات جوجل المستمرة على خوارزميات البحث، ولدينا بعض المشاكل التقنية على الموقع فيما يتعلق بالسرعة مثلًا والـSEO. 

أنا منشغل ببرنامج علمي منضم إليه بالإضافة إلى دراستي بالماجيستير ولدي مجموعة مشاريع أخرى لذلك لم يبق لي وقت للتدوين والكتابة فيها، لكنني متأكد يقينًا أن أي شخص متخصص كان بسهولة ليكون قادرًا على تحصيل صافي 1000$ أرباح كل شهر إن عمل على مثل هكذا مشروع بتفرغٍ كامل.

هناك شركة برمجيات طبية أمريكية عملتُ معها لفترة، وكنا نتفق على مقال من حوالي 1000 إلى 1500 كلمة بمقابل $150 للمقال الواحد. معرض أعمالي على FOSS Post أفادني جدًا للحصول على هذه الفرصة وهذا أمرٌ لا ينتبه له الكثيرون؛ أن أعمالك ومشاريعك السابقة قد تجلب لك هي فرص عمل مستقبلية حتى لو كانت مجانية في ذاتها.

الويب الأجنبي مليء بالفرص والجمهور المستعد للمتابعة والاهتمام، فقط يحتاج شخصًا متفرغًا لمتابعة العمل عليه، تمامًا كأي مشروع سواءٌ في بلاد العرب أو في بلاد الغرب.

وأنا شخصيًا عدت إلى الكتابة والتدوين في الويب العربي بعد تدوينة طويلة أوضحت فيها الأسباب.

نظرة على آخر التطورات في الساحة العربية للعمل الحر

عندما عدتُ إلى الساحة العربية والعمل الحر فيها، وجدتها لم تعد كما في السابق.

جائحة كورونا التي بدأت في أوّل 2020م دفعت بالكثير من الشركات والمؤسسات والأفراد إلى دخول سوق العمل الحر، سواءٌ كموظِفين أو كموظَفين. هناك مواقع كثيرة افتتحت حول المجال وصار الناس يتكلمون عن العمل الحر في كل مكان.

ابحث فقط الآن عن العمل الحر وستجد مئات التدوينات والمقالات حول الموضوع من مواقع شتى. هناك أيضًا مواقع صارت متخصصة بتعليم العمل الحر.

في السعودية تحديدًا صار هناك على ما يبدو هيئة رسمية وظيفتها إعطاء شهادات للعاملين في مجال العمل الحر لتمكينهم من استخدام العمل الحر كوظيفة أساسية رسمية وفتح حساب بنكي عليها بدلًا من الاعتماد على الشركات الرسمية والوظائف التقليدية فقط.

هناك العديد من منصات العمل الحر الأخرى التي افتتحت في العالم العربي (عددها ربما يفوق العشرة)، ومنها ما هو محلي ومنها ماهو على امتداد العالم العربي. لكن الجيد عمومًا – بغض النظر عن التفاصيل – هو أنّ ثقافة العمل الحر تكبر في عالمنا، ولعلنا قريبًا لا نخجل إن تقدمنا لخطبة بنت أحدهم وقلنا له أننا مستقلون لا نعمل في الوظائف 🙂

للأسف وسائل الدفع ما تزال مشكلة للبعض في العالم العربي، فوسيلة الدفع الوحيدة هي بايبال (PayPal) وهو غير مدعوم في العديد من الدول. لكن لحسن الحظ أن خدمة TransferWise (أو Wise الآن بعد تغيير اسمها) صارت تتيح فتح حساب بنكي أمريكي عند إيداع مبلغ 20$ فيه، أي أنه يمكنك بسهولة ربط البيبال مع Wise ثمّ سحب أرباحك من العمل الحر إلى البنك المحلي في مدينتك بعد أن تستلم الأرباح.

آمل أن تفكر منصات العمل الحر المختلفة باستخدام العملات الرقمية، مثل بتكوين، لإرسال أرباح المستقلين، فحينها نكون قد تخلصنا من حاجز كبير يقف أمام الكثيرين في العمل الحر.

خمسات ومستقل: السوق الرئيسي

في العمل الحر عربيًا لا يوجد هناك منافس حقيقي لخمسات ومستقل، لا من حيث الجودة ولا من حيث الحجم. ترتيبهما على التوالي في أليكسا 5192 و11558، وهو ما يعني أنهما يحصلان على الملايين من الزيارات يوميًا.

عدد الطلبات على الخدمات في خمسات قد تضاعف بشكلٍ كبير منذ جائحة كورونا، ويوميًا هناك مئات الطلبات الجديدة على مجتمع خمسات. لاحظتُ كذلك أن الكثير من الخدمات الرخيصة التي كانت موجودة قبل 5 سنوات لم تعد موجودة اليوم؛ أي أن المستقلين صاروا يطالبون بمبالغ أعلى بكل أريحية. فمثلًا بالسابق كنت بسهولة تجد خدمة تصميم شعار مع الملف المصدري بـ5$، لكن الآن هذا يكلفك نحو 20-30$ تقريبًا على خمسات بفضل تطويرات الخدمة. كنتَ أيضًا تجد من يكتب لك عدة مقالات من 700 كلمة بـ5$، اليوم لم يعد هذا موجودًا.

على مستقل، نفس العميل الذي كان يفاصلني على الكلمة قبل 5 سنوات صار هو نفسه العميل الذي لا مشكلة لديه في أن يدفع لي ضعف المبلغ لأعمل على مشروعه. قبل 5 سنوات كانت أسعار العمل الحر في التراب لأن المجال كان جديدًا وكنّا نحن – كمستقلين – نرضى بالقليل فقط من باب تيسير الحال وانعدام البديل.

اليوم هذا تغيّر، هناك على الأقل 20 مشاريع كل يوم على موقع مستقل ميزانيتها أكثر من $250، ومنها المشاريع الهندسية ومنها المشاريع الدينية ومنها المختلف في مجالاتٍ شتّى.

وهذا أفضل في الواقع للبائع والمشتري معًا، فهذه هي التسعيرة الحقيقية للجهد المطلوب لإنتاج المحتوى الإبداعي. وقد كان يشتكي بعض أصحاب العمل من انخفاض جودة الأعمال التي يقدمها المستقلون، متناسين أن الأسعار التي كانوا يعرضونها كانت في التراب، وأن المهارة تكلف الكثير من المال. لقد انتقلنا أخيرًا من بخس الأسعار إلى الوضع الطبيعي لِمَا يجب أن تكون عليه عروض العمل، وهذا أفاد الطرفين، فالمستقلون الآن قادرون على الإبداع بأقصى طاقتهم طالما أنهم يُدفع لهم بصورة جيدة.

حجم العاملين في مجال العمل الحر على مستقل وخمسات تضاعف هو الآخر، فكل طلب على موقع خمسات أو مستقل عليه عشرات المستقلين المختلفين يتنافسون حول من سيربح المشروع، وهذا أمرٌ رائع للغاية.

لماذا العمل الحر هو المستقبل

رغم كل النمو الحاصل، ما أزال أؤمن أن مجال العمل الحر له حجم ومكانة أكبر مستقبلًا. نمط الوظائف التقليدية لا يناسب الكثير من المجالات التقنية، وبما أن التقنية هي من يقود العالم اليوم، فالكثير من الوظائف التقليدية مصيرها حتمًا أن تنتقل إلى العمل الحر أو على الأقل إلى العمل عن بعد (وهو رديف العمل الحر).

أؤمن أن العمل الحر هو المستقبل:

  • لأن نظام العمل حسب المهام (Task-driven) أنسب وأرخص وأسهل للعمل لكلا الطرفين بدلًا من التوظيف الكامل.
  • لأن العمل الحر في 99% من الأحيان يكون عن بعد كذلك، والعمل عن بعد مريح للطرفين فأنت كمستقل يمكنك العمل من أي مكان به جهاز حاسوب واتصال بالإنترنت، وكصاحب المشروع لن تعود بحاجة إلى استئجار أو شراء مكتب وفرشه بالأثاث المناسب للموظفين ودفع تكاليف خيالية لاستضافة هؤلاء الموظفين كل يوم.
  • أنه عندما تعمل عبر الإنترنت، فأنت هنا تتخلص من القيود المحلية الجغرافية وتحصل على فرص عمل من مختلف أنحاء العالم. وكصاحب مشروع، لا مشكلة لديك مثلًا في توظيف شخص يعيش في مدغشقر طالما أنه قادر على إتمام العمل. هذا يعني أن سوق المهارات والخبرات المتوفرة لك كصاحب مشروع قد اتسع فأنت لم تعد محدودًا بالناس المقيمين في بلدك أو مدينتك.
  • العمل الحر مناسب بطبعه للكثير من المجالات التقنية كالكتابة والترجمة والتصميم والبرمجة وما شابه ذلك، فبمجرد إنتاج المخرجات يكون استلام الأرباح.

لعل الشيء الوحيد الناقص عربيًا حاليًا هو الثقافة المجتمعية؛ مثلًا يمكنك أن تتوقع نوعًا من الصعوبة إن تقدمت لخطبة فتاة وقلت لأهلها أنك تعمل كمستقل في مجالات مختلفة وليس وظيفة محددة. كما أنه هناك نوعٌ من المشاكل البيروقراطية في الدول في الحصول على حالة “موظف” لدى الدولة بدلًا من عاطل عن العمل، وفتح الحسابات البنكية وما شابه ذلك. تركيا مثلًا تعتبرني عاطلًا على العمل منذ أن تخرجت من الجامعة، بينما أنا غارقٌ بالأعمال إلى أذني 🙂

لكن ذلك يتغير تدريجيًا، ونأمل أن يصبح العمل الحر أكبر وأوسع وأفضل مما هو عليه الآن.

إطلاق دليل الأمان الرقمي

يسرني اليوم أن أعلن أخيرًا عن توفّر دليل الأمان الرقمي؛ الكتاب العربي الأحدث في المكتبة العربية حول حماية أجهزة وهواتف المستخدمين.

في ظل أخبار الاختراقات المتزايدة مؤخرًا حول العالم وازدياد حاجة المستخدمين العرب إلى مصادر عربية تغطّي مواضيع الحماية والخصوصية، جاء هذا الكتاب ليكون نقطة بداية ليفيد المستخدم العربي في حماية مختلف أجهزته المنزلية بأكثر من 15 فصل مختلف حول شتى المواضيع و170 صفحة:

  1. الفصل الأول: لماذا يجب أن نحافظ على أماننا الرقمي؟
  2. الفصل الثاني: مفاهيم تأسيسية عن الأمان الرقمي
  3. الفصل الثالث: الوعي في العالم الرقمي
  4. الفصل الرابع: اختيار العتاد والبرامج في العالم الرقمي
  5. الفصل الخامس: اختيار الخدمات والمزودات في العالم الرقمي
  6. الفصل السادس: تأمين الأشياء الأساسية المحيطة بك في العالم الرقمي
  7. الفصل السابع: النسخ الاحتياطي وحفظ البيانات في العالم الرقمي
  8. الفصل الثامن: التشفير واستعمالاته في العالم الرقمي
  9. الفصل التاسع: كلمات المرور: كيفية حفظها واستعمالها في العالم الرقمي
  10. الفصل العاشر: تأمين متصفحات الويب في العالم الرقمي
  11. الفصل الحادي عشر: الحماية من مواقع الإنترنت في العالم الرقمي
  12. الفصل الثاني عشر: ما يلزم معرفته عند الشراء والدفع عبر الإنترنت
  13. الفصل الثالث عشر: تأمين الهاتف المحمول في العالم الرقمي
  14. الفصل الرابع عشر: كيف تعرف أنك اخترقت في العالم الرقمي وماذا تفعل حيال ذلك؟
  15. الفصل الخامس عشر: مواضيع متقدمة في الأمان الرقمي

صدر هذا الكتاب برعاية شركة حسوب (أكاديمية حسوب)، ولا يسعني هنا سوى أن أتوجه بجزيل الشكر للشركة التي دفعت ميزانية تغطية تكاليف الكتاب، ثمّ بعد ذلك أتاحته بالمجان للجميع للتحميل والاستفادة. شكرًا حسوب!

يمكنك تحميل الكتاب الآن من أكاديمية حسوب.

سائلين الله القبول.

التحذير من «جامعة الناس» أو “University of People”

هنالك جامعة بدأت نشاطها منذ عدة سنوات، تُدرّس مجالات علوم الحاسوب وريادة الأعمال وغير ذلك عبر شبكة الإنترنت، ويدفع الطالب أقساطه الدراسية ويحصل بعد فترة الدراسة (عدة سنوات) على شهادة من هذه الجامعة. اسمها «جامعة الناس» أو “University of People”.

هذه جامعة إسرائيلية، مقرها إسرائيل ومؤسسها إسرائيلي.

يمكنك التأكد من ذلك عبر استعراض معلومات الجامعة واسم مؤسسها هنا من هذه المقالة على nytimes، ثمّ يمكنك استعراض صفحة هذا الشخص على ويكيبيديا وستجد أنه إسرائيلي.

أجد هذه الجامعة بدأت تروج جدًا لنشاطاتها خصوصًا بين الطلاب العرب تحديدًا؛ وكأنه وجه من أوجه التطبيع الخفي مع إسرائيل أنه لا بأس أن يتخرج الطلاب العرب من مختلف أنحاء العالم العربي من الجامعات الإسرائيلية. لديهم صفحة فيسبوك باللغة العربية ويعملون العديد من الإعلانات المدفوعة لها بين المستخدمين العرب (أنا وصلني الإعلان شخصيًا).

وللأسف بعض ضعاف النفوس لا يعبؤون بذلك، بئس التعليم وبئس الشهادة والله!

على المهتمين بالموضوع الحذر والتحذير منها وعدم الانضمام إليها أو الترويج لها مهما قدّمت من تخفيضات ومنح دراسية. هذا فضلًا عن كون شهادتها افتراضية وهي غير معترف بها في معظم دول العالم أصلًا.

تحديث في 2023م شهر مارس: يخاطبني بعض السفهاء أدناه بتعليقاتٍ من نوع “عادي، نحن نطلب العلم، الحكمة ضالة المؤمن، حصلنا على منحة مجانية”… ينسى هؤلاء الهلاميّون أن تخرجهم من هذه الجامعة وتسويقهم لها هو جذب للمال لها؛ فيصبح اسمها مذكورًا على ألسنة الناس ويريدون معرفتها والتسجيل فيها بعد أن كانت مغمورة، وكل هذا لأن صاحب المنحة المجانية العبقري هذا لا يدرك أن تخرّجه بشهادة هذه الجامعة هو تسويق مباشر لها ورافعٌ لاسمها بين اسم الجامعات، مما يدفع الطلاب الذين ليس لديهم منحة إلى التسجيل فيها أيضًا.

هذه تغريدة لمؤسس هذه الجامعة على تويتر، وهو يشكر الحكومة الإسرائيلية نفسها على ترويجها له (رابط)! ويروّج لجامعته عبر منح مجانية للطالبات الأفغانيات “اللواتي يعانين من الجحيم تحت طالبان”، أي أن الجامعة هي وسيلة تغلغل أخرى في المجتمعات هذه.

جمع هذا الصهيوني المال الكافي لفتح الجامعة من مؤسسة أخرى افتتحها قبل ذلك تهدف إلى “توفير التعليم للإسرائيليين المحرومين منه في المجتمعات غير الصديقة”… فأنت هنا لا تتحدث عن مسكين ذنبه الوحيد أنه ولد كإسرائيلي ثم تخلّى عنها وذهب للخارج، بل تتحدث عن صهيوني بحت. الرجل حرفيًا يقول لك أن هدفه من فتح الجامعة هو التطبيع وجعل الأمر عادي أن يدرس عربي مع إسرائيلي:

وهذه مقابلة أخرى يتحدث فيها عن رؤيته للصراع وإسرائيل، يقول فيها بالحرف أن هدفه من إنشاء الجامعة هذه أصلًا هو جمع الفلسطينيين والإسرائيليين مع بعضهم البعض في مجال التعليم بهدف السلام! (أرشيف، أرشيف 2).

صرنا في وقتٍ فيه الكثير من الجامعات الأخرى التي تعمل عن بعد وليس هذه الجامعة فقط، فلا يأتي بعدها هلامي ليحصر العلم في هذه الجامعة الصهيونية. لسنا نتحدث عن جامعة “يهودية” حتى يستشهد أحد بالتعامل مع اليهود، بل هذه صهيونية مركزها إسرائيل ومؤسسها خدم بالجيش الإسرائيلي نفسه.

والعجيب، كل العجب، أن هؤلاء أنفسهم يفرحون بموقف لاعب رياضي مثلًا عندما ينسحب من مواجهة لاعب إسرائيلي، رغم أنها مباراة رياضية فقط لا أكثر، بل ويعتبرونه “تطبيع” أن يلعب لاعب عربي مع لاعب صهيوني. ثم فجأة عندما نتحدث عن برنامج دراسي مدته 4 سنوات في الجامعات الصهيونية يطير هذا العنفوان والإباء، وتصبح الحكمة ضالة المؤمن حتى في بالوعة بني صهيون. ويكأن العلم ليس موجودًا إلا عند هؤلاء.

من أكبر الوسائل التي تمتلكها الأمة العربية والإسلامية للضغط على الصهاينة هي مقاطعة جامعاتاتهم ومؤسساتهم ومنتجاتهم، والحد من انتشارهم ونفوذهم، ثم تجد أبناء جلدتنا في الأسفل لا يهمهم إلا حياتهم الدنيا وما فيها من شهادات وليذهب كل شيء بعده إلى الجحيم.

أسأل الله تعالى ألا يبارك لأي إنسان يسجل فيها، وأن تبقى طوال عمرها غير معترف بها فيكون كل من سجل فيها قد صرف سنوات من عمره أدراج الرياح ليذوق وبال أمره. وأسأل الله تعالى أن يعجّل بهلاك هذا الكيان الصهيوني نفسه؛ فيذهب هو وهذه الجامعة معه عن هذا العالم للأبد.

القرآن كصدقة جارية مع الأتمتة أنموذجًا

مأمورون نحن في إسلامنا بإخفاء أعمالنا وصدقاتنا الجارية وعدم إبدائها لأحد، فهو أدعى للإخلاص وطلب الثواب والأجر عند الله تعالى دون انتظار شيءٍ من البشر. لكن ما دفعني إلى كتابة هذه التدوينة اليوم هو أنه على الرغم من كل محاولاتي السابقة لتشجيع وتحفيز الناس لاستخدام التقنية عمومًا والأتمتة خصوصًا لتسهيل حياتهم ومشاريعهم وعمل المبادرات التي يريدون عملها بسهولة، فهم لا يزالون لا يفهمون بالضبط عن ماذا أتحدث وكيف يمكن لهذه الأشياء أن تعمل معهم.

إنهم يظنون أنها شيءٌ صعب لا يمكن فعله إلا من المحترفين، أو شيء سيحتاج الكثير من المتابعة لاحقًا… وهذا غير صحيح.

أنا مضطرٌ، على مضض، للحديث اليوم عن مشروعٍ بدأت العمل عليه قبل حوالي السنة. واضطراري هذا هو لأنه يبدو أنني لا أمتلك طريقةً أخرى لشرح فائدة هذه الأدوات العظيمة في خدمة أمتنا وأهدافنا دون أن أقدم نموذجًا كاملًا لها.

دقائق من القرآن” هي مبادرة فردية أنشئتها في بداية جائحة كورونا. كان الفيروس لا يزال جديدًا على الساحة والرعب منه كبير والمرء يتحسس الموت على رقبته اليوم أو غدًا. فكّرت في نفسي أنني لو متُ في يومٍ من الأيام بسببه فلا أريد لعملي أن ينقطع، وأريد صدقة جارية أن تستمر ورائي.

وجدتُ أبسط حلّ لفعل ذلك هو إنشاء صفحة على فيسبوك تعرض فيديو، كل يوم، مدته دقيقة، لتلاوة مختارة من القرآن الكريم. اخترت هذا لأنه طالما المطلوب هو الحسنات فإيصال كلام الله إلى الناس كل يوم هو أمرٌ ممتاز بذاك الخصوص، وفي الحديث: “أحبّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ”. دقيقة أو دقيقتين تلاوة خاشعة جميلة قد تغيّر حياة إنسان ما، فقد تجعله يترك الموسيقى أو يتجنب منكرًا أو يصير يهتم بالقرآن شيئًا فشيئًا، فيجرّه القرآن إلى أمورٍ أخرى هو بحاجتها.

عمومًا، عمل ذلك سهل نظريًا، فكل ما عليك فعله هو إنشاء صفحة فيسبوك ثمّ رفع الفيديوهات يومًا بعد يوم… صحيح؟ لا. هنا المشكلة. أنا أعمل وحدي (أو أريد أن أعمل وحدي) وبالتالي في حال حصل لي مكروه فلن أتمكن من رفع الفيديوهات وستنتهي هذه المبادرة والصفحة معها، كما أنني غير قادر على متابعة المشروع يوميًا (مهما كان المطلوب صغيرًا)، لا أريد تعيين مشرفين وما إلى ذلك فهذا سيجعل المبادرة تتوقف حتمًا بعد فترة إن ملّ ذاك الشخص… مالحل إذًا؟

الأتمتة (Automation) هي الحلّ.

بفضل خدمة Integromat التي كنتُ قد حدثتكم عنها مسبقًا، وباشتراك 9$ شهريًا فقط (المزيد عن هذا في نهاية التدوينة) يمكنني أتمتة الكثير من المهام تلقائيًا، وجعل الصفحة ترفع بنفسها الفيديوهات التي أريدها دون أي تدخل مني، وتعيد رفعها تلقائيًا بمجرد الانتهاء من رفعها جميعًا.

هكذا، باستمرار، إلى الأبد، أو إلى أن يشاء الله.

سيناريو الأتمتة كان على الشكل التالي:

ببساطة لديّ مجلد على خدمة المزامنة Dropbox يحتوي جميع مقاطع القرآن التي أريد نشرها على الصفحة، وهي مرقمة حسب الأرقام مثل 1.mp4 وهكذا… لدي ربما حوالي 20 مقطع قصير لتلاوات القرآن الكريم جمعتها من اليوتيوب بعد تقطيعها لفيديوهات مدتها لا تتجاوز الدقيقتين أو الثلاث دقائق:

يقوم سيناريو الأتمتة السابق ابتداءً من اليوم الأول بأخذ أول مقطع فيديو، وينشره على صفحة فيسبوك وتويتر الساعة العاشرة مساءً، ثمّ يأخذ اسم الملفّ (الذي هو 1.mp4) ويزيده برقم 1 (فيصبح 2.mp4) ويحفظ تلك القيمة في قاعدة بيانات مخزّنة على المنصّة. في اليوم التالي سيأخذ السيناريو اسم الملفّ الذي هو 2.mp4 ويأخذ الملف المطلوب من مجلد Dropbox المحدد ثمّ ينشره على الصفحة، وسيعيد العملية إلى أن يبلغ العدد الكلي للملفات، حيث سيُعاد الرقم إلى 1.mp4 وتبدأ الدورة من جديد، ببساطة.

هكذا، كل ما عليّ فعله هو وضع الفيديوهات ضمن المجلد على Dropbox، وبعدها ستنشر تلك الفيديوهات الواحدة تلو الأخرى كل يوم للناس.

هذا مثال على أحد تلك المنشورات، والتفاعل لدينا على كل منشور بالمئات والحمد لله، بين أناسٍ تشاهد، وأناسٍ تُشارك، وأناسٍ تعلّق:

الرقم العشوائي الذي تراه في نهاية كل منشور هذا لأنني اكتشفت أنّ فيسبوك يقلل وصول المنشورات إن كانت جميعها تستخدم نفس النصّ المرفق، ولذلك احتجت إضافة رقم عشوائي في نهاية كل منشور لخداع خوارزميات فيسبوك.

لإشهار الصفحة استفدتُ من إعلانات فيسبوك الممولة. وباستهداف الجمهور المغاربي عمومًا يمكن للمرء أن يصل لأكثر من ربع مليون إنسان أسبوعيًا بمبالغ منخفضة:

اليوم هناك حوالي 65 ألف معجب في صفحة دقائق من القرآن، ومنذ كل يوم من تاريخ 12 مارس 2020م، هناك فيديو لتلاوة القرآن الكريم تُنشر على الصفحة تلقائيًا دون أي تدخل منّي على الإطلاق.

نشرتُ هذه التجربة لأنني أريدها أن تكون محفّزة لمن يرغب بعمل مشاريع شبيهة بأدنى التكاليف ودون أي تدخل لاحق منه. نعم هذا ممكن، ويمكنك أن تستفيد من هذه الأدوات أيما استفادة إن عملتَ بجدّ عليها وعلى ما يمكنك استخراجه منها.

لأجل ذلك نشرت التدوينة السابقة حول الأتمتة وما يمكن فعله عن طريقها ولماذا هي مهمّة، كما دعوت إلى التمرّس فيها عدة مرات مسبقًا.

وقتي ضيّق لهذا لم أعمل الكثير من المبادرات والمشاريع الشبيهة، لكن يمكن لمن يفهم الأتمتة بصورة جيّدة أن يطلق عشرات بل وربما مئات المشاريع المختلفة على الويب العربي بهذه الطريقة، فيجعلها جميعًا مؤتمتة بحيث لا تتطلب تدخلًا بشريًا منه لاحقًا.

مشاريع شبيهة لنشر محتوى مؤتمت آخر (قصص، أحاديث نبوية، مقتطفات من كتب، لقطات شاشة… إلخ)، مشاريع حول آخر الأخبار بمجال معين (آخر الأخبار بالعملات الرقمية مثلًا)، مشاريع لأرشفة المحتوى عند نشره تلقائيًا… وغير ذلك الكثير مما يمكن لكم أن تتخيلوه.

بخصوص تقطيع الفيديوهات الكبيرة لتلاوات القرآن الكريم التي أجدها على يوتيوب إلى فيديوهات أقصر مدتها دقيقة أو دقيقتين… برمجتُ سكربت بايثون ليقوم بالمهمّة، حيث أحدد له فقط اسم الفيديو وأوقات التقطيع التي أريدها وهو سينتج لي الملفّات الصغيرة مباشرةً. شرحت العملية بالتفصيل في هذه المقالة الإنجليزية.

النقطة الوحيدة التي يجب عليك الانتباه لها من أجل عملية أتمتة سلسة تستمر حتّى بعد موتك هي وسيلة الدفع لخدمة Integromat; لا تريد أن تتوقف كلّ سيناريوهاتك مباشرةً عند وفاتك مثلًا لأن بطاقتك الائتمانية قد توقفت عن العمل. في هذا الحل يمكنك أن تسند مهمة الاحتفاظ ببطاقتك الائتمانية ودفع الديون التي عليها لأحدٍ من أفراد أسرتك شهريًا مثلًا، أو يمكنك استخدام أحد بطاقاتهم أو حساباتهم، أو ببساطة تخبرهم في حال وفاتك أن يتابعوا سير الموضوع ويربطوا الخدمة بوسيلة دفع من عندهم.

آمل أنّ هذا سيفتح بعض الآفاق الممكنة لأفكار ومبادرات ومشاريع ومهام يمكن أتمتتها بسهولة وتسهيل القيام بها عليكم، وآمل أن تفتتحوا بأنفسكم مشاريع شبيهة تكون لكم أجرًا وزادًا يوم القيامة إن شاء الله.