تخلّصوا من عقدة افتتاح المدونات التقنية

ما أن يبدأ شباب اليوم في التدوين حتّى يفكّروا في افتتاح مدونة تقنية. ابحث فقط في أرشيفات المجتمعات العربية النقاشية على الإنترنت وستجد الجميع لا يهتم بشيء سوى التقنية والتقنية. أنا أفهم أن التقنية مجال رائع وفيه الكثير من الفرص بالإضافة إلى أنّ العمل فيه سهل نسبيًا، حيث لا تحتاج إلى شيء سوى حاسوب، لكن الموضوع “طفح عن حده” كما يقول إخواننا باللهجة المحلّية فعلًا.

أرى كل يوم مجموعة مدونات تقنية جديدة كلّها مثل بعضها، “كيف تقوم بتثبيت البرنامج الفلاني”، “كيف تقوم بفرمتة ويندوز”، “10 إشاعات حول شكل الآيفون الجديد”.. يسعى أصحاب هذه المدونات إلى الربح السريع ويرون أن باقي المدونات والمواقع العربية الكبرى التي تجلب ترافيك تقوم بتغطية هذه المواضيع، فيقومون هم بتغطيتها كذلك وهذا خطأ. حتّى مع قيامك بنفس الشيء الذي يقومون به لن تصل إلى ما وصلوا إليه. وضع وإمكانيات المليونير ليس كمن لا يملك دفع إيجار المنزل.

السوق “مُشبع” بالمدونات التقنية. لا حاجة لنا بالمزيد من مدونات أخبار الهواتف والحواسيب المحمولة وغير ذلك. هناك 10000 مدونة عربية مثل مدونتك المجانية التي قمتَ بإنشائها على بلوجر أو ووردبريس، لماذا سنتابعك أنت المجهول الجديد ولدينا محتوى ومواقع وناس أفضل منك؟ وبالفعل، معظم هذه المدونات تستمر لبضعة شهور ثم يتم إقفالها.

كلامي ليس موجهًا لكل التفاصيل المنطوية تحت كلمة “تقنية”، وإنمّا أتحدث عن تلك المدونات العامّة. نعم نحن بحاجة إلى مواقع ومنصّات متخصصة مثلًا بتغطية البرمجة بلغة Go، أو متخصصة بلغة Rust، أو برمجة تطبيقات الآيفون، أو ووردبريس واستخداماته المتقدمة من الألف إلى الياء، أو استخدام خدمات AWS، أو مدونة عربية متخصصة بالذكاء الاصطناعي، أو المعالج الطبيعية اللغوية.. هذا ما يُسمّى “بالنيتش”، احرص على أن تختار جمهورًا ضيقًا تجمعه فكرة محددة بدلًا من أن تكتفي بعمل مدونة الخزعبلي للمعلوميّات وتنشر فيها سمك لبن تمر هندي ثم تلعن الإنترنت لأنّهم لا يدعمونك ولا يفتحون محتواك.

الآن هذا الشقّ هو المتعلّق بالتقنية وتفاصيلها، لكن عمومًا، المدونات التقنية بغض النظر عن تفاصيلها كثيرة بالفعل. الويب العربي لا يملك إلّا القليل من المدونات حول السياسة، الزراعة، الأدب، الهندسات، علم الفلك، علم الوجود، الدين، اللغة العربية، الكيمياء، الفيزياء.. هل فعلًا لا يثير أي مجالٍ في كل الدنيا اهتمامك سوى التقنية؟ لعل الموضوع حينها متعلّقة بشخصك وسوء فهم لهذا المجال أو إغفال لأشياء رائعة أخرى في الحياة كان يُمكن أن تبدع فيها بدلًا عن شروحات تفعيل ويندوز 10 باستخدام الكراك.

لحل هذه المشكلة، تخيل نفسك بعد 5 سنوات، هل كنتَ لتكون سعيدًا وأنت تعمل في نفس المهنة؟ تخيل نفسك وأنت بزوجة وأولاد، هل كنتَ لتكون مستعدًا لمتابعة العمل بهذا المجال (مهما كان)؟ وأنت على بعد ثوانٍ من وفاتك، هل كنتَ لتكون سعيدًا بما قدّمته في حياتك عن طريق هذا المجال؟ إن كان الجواب لهذه الأسئلة هو لا، فحينها أنتَ في المكان الخاطئ.

ابحث في TED عن تخصصات الناس وما يفعلون، أو انظر في التاريخ وكيف صنع الناس أمجادهم، أو لعلك تنظر في الواقع فترى ما نحن فيه فتبدأ مشروعًا يكون هو حياتك ووفاتك في نفس الوقت لتغيير هذا العالم.. الحياة أكبر من هواتف جالكسي أو لغة Go أو خدمات SEO أو ريادة أعمال.

تذكّر الإنسان الذي أمامك

من أسوء آفات التواصل الرقمي هو انسحاق خصائص التواصل البشرية فيها. في مجموعات الواتس آب الكل يحاول الظهور بمظهر الأستاذ الخبير الراشد ويحاول سحق أي رأي مخالف له بضراوة دون اعتبار لوجود إنسان في الطرف الآخر، في نقاشات فيسبوك الهُرائية الكل يحاول تسخيف وتحطيم مخالفيه وكتابة أي شيء لنيل الإعجابات، على مواقع النقاشات مثل Reddit الكل يكتب تعليقاتٍ ويكأنّ الكاتب هو عبارة عن “حساب” يقوم بكتابة تعليق، وليس إنسانًا يستخدم ذلك الحساب ليكتب. حبّ تعظيم الذات موجودٌ دومًا على منصّات التواصل الاجتماعية هذه.

تذكّر دومًا أنّك على الإنترنت لا تتعامل مع حسابات، بل تتعامل مع بشر. تخيّل كاتب التعليق المُخالف لك وهو يقف أمامك وتخيّل أنكما تتناقشان حول موضوعٍ معيّن، هل كنت لتقول نفس الكلام الذي تكتبه لو كنتَ تنظر في وجهه؟ إن كان الجواب لا، فالأفضل ألّا تكتب.

ما يحصل هو أنّه بسبب غياب عناصر التواصل البشري مثل رؤية الوجوه والسماع، فإن الكلام في كثيرٍ من الأحيان يبدو خاليًا من أي “بشرية” فيه، يخرج بطريقة جافّة، وقحة، تسخيفية وتحقيرية للشخص المُخالف. لا أنكر أن الكثير من الناس أغبياء فعلًا، لكنك لم تكن لتتكلم معهم بنفس الطريقة لو كانوا يقفون أمامك وجهًا لوجه، وهم كذلك لم يكونوا ليكتبوا نفس التعليق لو كانوا واقفين أمامك. والمشكلة ليست فقط بالكلام بل بالتعامل كذلك، سواء كنتَ مدير مشروع، أو شركة، أو مجموعة فيسبوك، أو موظّفًا في قطاعٍ عام، لا تتعامل مع الناس بطريقة جافّة وكأنّهم مجرّد أشخاصٍ آخرين وأرقام أخرى، لا تتعامل معهم كأنّهم حسابات تمشي على الأرض، بل تعامل معهم بناءً على أنّهم بشر.

للأسف الحياة الرقمية لم تعد فقط تؤثّر على تصرّفات الشخص في العالم الرقمي، بل تؤثّر على سلوكياته وتصرّفاته في حياته الواقعية كذلك. منذ أن تركتُ فيسبوك وأنا أشعر بارتياح أفضل. أرى أنّ النقاشات التي أجريها مع الناس وجهًا لوجه سواء في الجامعة أو العمل أو عبر التلفون أو في المناسبات الاجتماعية أكثر هدوءًا ورواقًا من تلك النقاشات التي كنتُ أجريها على فيسبوك حيث يهتم المرء بزخرفة الكلام ليربح نقاشًا على الإنترنت. الأشخاص الذين كانوا يكتبون تعليقاتٍ غبية على فيسبوك لم أعد أراهم، ليس لانعدام التواصل بيننا بل لأنّ الناس ستتردد مليون مرّة في قول فكرة غبية أو الخوض في نقاش بشخصيتهم الحقيقية وصوتهم ووجههم في الحياة الواقعية مقارنةً بمجرّد كتابة تعليق على فيسبوك.

يدفعني هذا إلى التفكير إلى أننا ربما بحاجة إلى شبكات اجتماعية أكثر بشرية.

التأمّل في الموضوع دفعني إلى التفكير إلى أنّه عندما يحتاج إنسانٌ شيئًا منّي، ربّما عليّ أن أضع نفسي مكانه وأقدّر حاجته ثم أنظر إن كان بإمكاني تحقيقيها، بدلًا من القفز مباشرةً إلى النظر إن كان بإمكاني تحقيقها دون اعتبارٍ له كإنسانٍ في حاجة، وأنني لو كنتُ مكانه لما كنتُ لأحبّ أن أُعامل كحساب فيسبوك يمشي على الأرض.

دومّا، تذكّر الإنسان الذي أمامك.

في بيتنا فأر، أو كان

قضيتُ الشهر الماضي وأنا ألاحقُ فأرًا دخل بيتنا. نعيش في الطابق الثالث لذلك كان صعبًا عليّ أن أتصوّر من أين جاء هذا الإزعاج المُتحرّك. أمضينا الشهر ونحن ننصب الفخاخ بشتّى أنواعها لعل الفأر يموت أو يرحل ونقوم بسد الثغرات في المنزل بالإسمنت الخفيف لمنعه من الدخول، ولكن دون جدوى.

اليوم الساعة 3:30 صباحًا وجدتُه يحاول حفر حفرةً داخل غرفتي، وكل بضع دقائق أسمع صوته يحفر فأخاف وأنير الضوء وأحاول إصدار أصوات لإبعاده من داخل الجدار ولكن دون جدوى.. الشهر كلّه كان هكذا. وضعتُ قطعةً من ورق داخل الحفرة التي كان يحاول الخروج منها فصعُب عليه الخروج لكنه ظلّ يحاول أن يحفر.

على عكس المُعتاد هذه المرّة، قررتُ أن أحضر عصا وأسهّل له الخروج عبر إزالة الورقة والحفر معه كذلك لتكبر الحفرة، وأنتظره لأقتله. ما إن حفر حفرةً مناسبة لحجم رأسه حتّى مدّ رأسه لينظر في غرفتي ويعرف كيف سيخرج، فهشّمتُ رأسه بالعصا وقتلتُه في أقل من دقائق.

مات الفأر ورمينا جثّته في القمامة وأصلحنا مكان الحفرة التي جاء منها، بعدها حصلتُ على أفضل نوم في حياتي منذ شهر دون أي خوف أو رعب أو أصوات غريبة هنا وهناك. العائلة كلّها كذلك. لم نعد نسدّ أبواب غرفنا خوفًا من أن يدخل الفأر من تحتها، لم نعد نغلق النوافذ عند النوم خوفًا من أن يدخل منها.. كل هذا انتهى خلال تلك الدقائق التي قتلتُه فيها.

جعلني هذا أفكّر أنّ نفس الشيء ربما يحصل في حياتي مع عدة أشياء كذلك، فبدلًا من مواجهة الصعاب وجهًا لوجه وتحمّل القيام بالمهام لبضع ساعات، نفضّل تأجيلها والتسويف على أن نقوم بفعلها الآن رغم أننا نعلم أننا سنرتاح ونفوز بأشياء عظيمة إن فعلناها فقط لمدة محدودة. تلك المقالة التي أريد كتابتها منذ حوالي أسبوعين وذاك المشروع على GitHub الذي يتعين علي تطويره وأشياء أخرى كثيرة في حياتي.. كلّها يمكنني الخلاص من همّها وخوفها إن تحرّكتُ وقمتُ بها.

تأملت في المشهد أكثر فوجدتُ أن هجرة السوريين الجماعية من سوريا وخراب البلاد ومضي كل هذه السنوات ربّما كنا لنتفاداه لو أننا جميعًا بقينا وواجهنا الخطر بدلًا من الهروب، وأنّ المحسوبين على المسلمين على امتداد القرن الماضي لو واجهوا أعدائهم وجهًا لوجه ربّما كنّا لنرتاح بالفوز الآن. ثم وجدتُ معظم الدنيا تسير على هذا المبدأ للأسف; الخوف من الواقع فالهروب منه بدلًا من مواجهته.

دومًا، يبدو لنا ما نواجهه سواء كان كتابة مقالة أو تطوير مشروع أو قتل فأر أو تحرير البلاد كالبعبع الذي نرغب بتفاديه وتأجيله وانتظار غيرنا ليقوم بالمهمّة، لكن مواجهته بأنفسنا الآن أفضل وسيُحررنا مما نحن فيه.

التخلّص من فيسبوك وإدمان “العدّادات”

قمتُ قبل بضعة أيّام بإزالة حسابي من على فيسبوك بالكامل. استخدمتُ فيسبوك لأول مرّة في 2011م وبقيت أستخدمه إلى اليوم. تعرّفت خلال تلك السنوات على العشرات من الناس وأنشئتُ الكثير من المشاريع والمبادرات معهم. حصلتُ على الأخبار أولًا بأول وأقنعتُ نفسي عبثًا بأنني أقوم بشيء مهم. هذه ليست المرّة الأولى التي أحاول فيها الإقلاع عن الموقع ولكن الحمد لله أنّها الأخيرة.

أنا لا أصدّق أنني تخلصتُ من فيسبوك ولا يمكنني أن أصف شعوري لك. كنتُ أتصفّح فيسبوك حوالي 6 أو 7 مرّات في الساعة تحسّبًا لأي “طارئ”، مثل إعجابٍ جديد أو تعليق جديد أو رسالة جديدة. كان لدي الكثير من الصفحات والمجموعات التي أديرها كذلك وكنتُ أعتبر نفسي أنني أستفيد من هذا الوقت الذي أقضيه على عكس غيري الذين يشتركون بصفحات تافهة ويدخلون الموقع للدردشة. كانت “العدّادات” تستنزف عقلي وتفكيري دون أن أشعر. يطيبُ لي أن أسميّها: “العدادات الملعونة”.

العدادات الملعونة موجودة في كل مكان. عدّادات الإعجابات والتعليقات والأصدقاء والرسائل وتحديثات الصفحات والمنشورات الجديدة في المجموعات.. وهي موجودة كذلك خارج فيسبوك وليست محصورةً فيه. المشكلة هي أنّ هذه العدادات تُجبرك على التحقق منها لتجعلها صفرًا. إن لم ترى نفسُك البشرية رقم 0 (أو فراغ) مكان ذاك العداد الذي يلحّ عليك باللون الأحمر أن تتحقق منه فحينها لن ترتاح، لذا فأنت في دوّامة فقط لكي تتخلص من تلك العدادات وتتحقق من كل التحديثات والمنشورات والإعجابات والرسائل والأصدقاء الجدد على مدار اليوم، لا وظيفة لك سوى أن تضغط على العدادات وترد على الموجود فيها.

وبما أن هذه العدادات يتم تحديثها أولًا بأول، فستظل في حلقة مفرغة للتحقق منها. ويا سلام لو كان هناك خاصيّة التمرير اللانهائي كما في منشورات فيسبوك أو التحديثات الحيّة لتلك العدادات! حينها تكتمل وصفة الإدمان.

بينما أكتب لكم هذه التدوينة الآن هناك رقم “1” يظهر لي الآن على أيقونة برنامج تلجرام (Telegram) بخلفية حمراء. أنا مجبرٌ دومًا على الضغط على ذاك الرقم لجعله يختفي متى ما شاهدتُه. ببساطة يستفزني إلى درجة تجعلني لا أستغني عن النقر عليه بمجرّد أن أراه موجودًا. “ياللهول، 6 رسائل؟ مِن مَن يا ترى؟”، “أوه، هناك 7 طلبات صداقة و3 إشعارات ورسالتان، يجب أن أتحقق منها جميعًا”.

يجب أن يكون العداد صفرًا، يجب ألا يكون هناك شيءٌ ورائي كرسالة تنتظرني من أحدهم أو تعليق جديد أو طلب صداقة.. وإلّا لن أرتاح. أنا لا أصدّق أنّ بضعة أرقام مكتوبة على خلفية حمراء تدمّر حياتنا بهذا الشكل. من أين نزلت هذه الفكرة الملعونة؟

هذا ما تستغله مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصّات في ذواتنا البشرية: ميّزة “الفضول” وعدم قبول الاستفزاز المتواصل. معظمُها يستخدم اللون الأحمر لأنّهم يعلمون أنّه اللون المُستخدم في إشارات المرور لأنّه اللون الذي يصل إلى أبعد مدى ويشدّ أكبر انتباه، إنّه اللون المثالي للاستفزاز. أمّا أن تجمع ذاك اللون المُستفز مع تلك العدادات الملعونة، فمن أين نزلت هذه الفكرة؟

غيّرتُ كلمة سرّي على حسابي على فيسبوك عبر استخدام كلمة سرٍ عشوائية لا أعرفها أنا حتّى عبر موقع Random.org (تجنبًا لمحاولة دخولي للموقع لاحقًا إن ضعفت)، ثم قمتُ بتعطيل حسابي بلا رجعة. بالطبع قمتُ بإسناد صفحاتي ومجموعاتي إلى حسابٍ وهمي آخر لا أتابع فيه أحدً وليس فيه أي صديق (ولن يكون) فقط للنشر على تلك الصفحات والمجموعات (ولم أدخل إليه إلى اللحظة).

أشعر وكأنني خرجتُ من سجن تدمر، ولكن دون آثار تعذيب.

أولئك الأصدقاء الوهميون الذين صادقتهم من مُختلف أنحاء الدنيا لن يعودوا موجودين في حياتي الآن. إنهم مجرد حسابات فيسبوك كنا نتسامر مع بعضنا البعض فيها. لن يعرفوا عني شيئًا ولن أعرف عنهم شيئًا. لأنهم ليسوا حولي الآن. لم أعد أهتم بكتابة منشورات تعجبهم أو تفيدهم ولم أعد مهتمًا بعدد المتابعين أو الأصدقاء.

نقاشات فيسبوك الهرائية لم تعد حولي، لن أهتم بالتعليق هنا وهناك. ولن يكون عدد الإعجابات على المنشورات والتعليقات هو معيار الصواب والخطأ.

استفقتُ لأجد أنني لا أملك الكثير من اﻷصدقاء في الحياة الواقعية، فقط أنا والمرآة.

ينتابني شعورٌ بالسخرية لأشارك هذا المقال على حسابٍ ما بفيسبوك، ولكنني أتذكّر أنني حذفتُه.

حياتي الآن أفضل بكثير. أتابع آخر الأخبار عن طريق خلاصات RSS بفضل خدمة تُدعى Inoreader.com، وبفضل هذا، يمكنني التركيز على قراءة المقالات والمحتوى المفيد ودراسته وتحليله بشكلٍ كامل عوضًا عن منشورات وتعليقات فيسبوك المُستهلكة. لا شيء ورائي ولا عدّادات لأتخلّص منها، لا أتابع الأخبار إلّا مرّة في الصباح والظهيرة والمساء، وباقي اليوم كلّه فراغ لباقي أعمالي وأنشطتي. كما أنني لستُ في عجلةٍ لأشارك مقتطفًا من المقال مع متابعيي على فيسبوك لأحصد إعجابهم وثناءهم، القراءة لي وحدي. أستمتع بها وآخذ الملاحظات بنفسي وأجمّعها في ملفّات جميلة للمستقبل.

يمكنني أن أؤلف لكم كتابًا عن مساوئ فيسبوك، إنّه كالسرطان في الروح. إنكم لا تدركون أنّ ما أنتم مدمنون عليه ليس في الواقع مجرّد موقع إنترنت، بل أسلوب وطريقة حياة استهلاكية مقيتة تدمّر أعماركم.

إنكم تدورون في آلة هندسية احترافية مُصممة لجعلكم مدمنين على المنصّة بأقصى شكلٍ ممكن. تلك الألوان الحمراء والأرقام الموجودة في كلّ مكان، والأرقام الضخمة من المتابعين لمشاهير فيسبوك التي تحسدونهم عليها وتتمنون لو كان لديكم مثلها مما يدفعكم إلى نشر المزيد، وصفحات فيسبوك المليونية التي تأملون أن يكون عندكم مثلها أملًا بأن تنشروا أشياء مفيدة عبرها… كل هذا وهم. كل هذا سراب تلحقونه ظانّين أنكم تفنون أعماركم في شيءٍ مهم بينما في الواقع تنثرونه أدراج الرياح.

عندما أردتُ إغلاق حسابي، ترددتُ كثيرًا. “ماذا عن الخبراء والمُحترفين الذين أتابعهم وأستفيد منهم، كيف سأصل إليهم لاحقًا؟ ماذا عن صفحاتي ومجموعاتي التي أديرها وليس لها غيري؟ ماذا عن قائمة أصدقائي الطويلة والعريضة”؟ أنصحكم بألّا تستمعوا للإغراءات وأن تتخلصوا منه اليوم قبل الغد. كل هذه الأشياء يوجد لها بدائل أفضل بمليون مرّة. ذاك الخبير الذي تخاف أن تخسر متابعته على فيسبوك يوجد هناك مليون مثله بين الكتب ومواقع التدوين والمقالات والمجلّات. ذاك الصديق الوهمي عبر فيسبوك الذي تخاف أن تخسره، هناك مليون صديق أفضل منه وأوفى على أرض الحياة.

أنا لا أصدق أنني كنتُ محرومًا من قراءة عشرات الكتب والمقالات الثريّة والاستفادة من وقتي أيّما استفادة على مدار 7 سنوات، فقط لأتصفّح موقعًا على الإنترنت يمدّني باﻷخبار. لا أصدق أنني تخليتُ عن الأشياء التي كان بإمكاني إنتاجها على مدار تلك السنوات فقط لأستهلك جرعة دوبامين سريعة يتم تمريرها إليّ على شكل منشورات وتعليقات وعدّادات فيسبوك كما يتم تهريب أوراق الحشيش والمخدرات.

الحياة الواقعية هناك في الخارج، وليست على الموقع اللعين.