قصّتي مع العمل الحرّ

نحتاج جميعنا إلى المال لتسيير أمور حياتنا، ولكي تكسب المال فأنت بحاجة إلى عمل، لسوء الحظّ، عندما تكون سيرتك الذاتية دون شهادات معترف بها دوليًا ودون أن تكون قد تخرّجت من الجامعة أصلًا – مثل حالتي – فإنّ فرصتك في الحصول على وظيفة محترمة تكاد تكون شبه معدومة. الوظيفة التقليدية الوحيدة التي كانت متوفّرة لي هي وظائف العمالة العادية.. حمّال، بائع حلوى، نجّار، وربما في أفضل الأحوال عامل في أحد محلّات المواد الغذائية.

أضف إلى ذلك كرهي للوظيفة التقليدية أصلًا، لا أحبّ أن أعمل كلّ يوم من الـ7 صباحًا إلى الثالثة عصرًا مقابل مبلغٍ كلّ شهر، هذا أمرٌ روتيني للغاية، وأنا أكره الروتين، إنّه يقتل الإبداع الموجود بك – حرفيًا – مما نفّرني أكثر وأكثر من أيّ وظيفة تقليدية قد أسمع بها.

قبل 5 سنوات دخلت عالم الإنترنت، وتعرّفت على مجتمع لينكس العربي ومن هناك تعرّفت على نظام لينكس، خبرتي الأساسية هي في مجال نظام لينكس وتطوير التطبيقات عليه وإدارته والتعامل معه، وهي الخبرة التي من النادر أن تستطيع استغلالها ماديًا وتحقق منها ربحًا يكفيك خصوصًا في العالم العربي حيث لا أحد يهتم لمثل هذه الأمور، ولكنني كنتُ أمارس التدوين على موقع لينكس اليوم، وهو الموقع الذي أسسته في 2011 لكي يكون موقعًا أوّلًا في توفير الأخبار والشروحات المتعلّقة بنظام لينكس والبرمجيات الحرّة باللغة العربية للمستخدمين العرب، ولذلك يمكنك القول أنّ مجال اختصاصي الأساسي هو “التدوين وصناعة المحتوى”. Read More

عن الحياة في العالم الافتراضي

لا شكّ أنّ أكبر الثورات التي نعيشها الآن هي ثورة التكنولوجيا والحواسيب، بجهازٍ موصول بالكهرباء والإنترنت يمكنك التحدّث مع شخص يعيش في النصف الآخر من الكرة الأرضية في غضون بضع ثوان وبشكلٍ مجاني تمامًا، يمكنك فعل آلاف الأمور الرائعة باستخدام هذه التكنولوجيا التي لأوّل مرّة تتوفر بهذا الشكل الرائع بالتاريخ البشري.

الأمر المقلق هو أن تتحول هذه الثورة التكنولوجية إلى “عالمٍ موازي” يعيش فيه البعض، تراه لا يهتم بشيءٍ من الحياة مثلًا بل فقط جالس ليلعب الألعاب الجماعية ويتابع الأنمي ويشاهد الأفلام. العيش في هكذا عالم مقلق للغاية لأنّه يجعل المرء منفصلًا عن الواقع، كيف يمكننا أن نعيش حياتنا الطبيعية وبيننا نسبة هائلة من الشباب ممن لا يتوقّفون عن لعب Counter Strike صباح مساء بشكلٍ يجعلهم منفصلين تمامًا عن الواقع؟ أو من يجلسون وراء تلك الشاشات من قبل طلوع الشمس إلى بعد غروبها فقط لمتابعة آخر مسلسلات الأنمي؟ عندما تحدّث هؤلاء الناس عن المجتمع، الحرّية، الإسلام، التطوّر العلمي والثقافي، هدف الحياة والوجود وغير ذلك من الأمور.. ستجده فعلًا منفصلًا عن الواقع تمامًا ولا يدرك ما يجرّي بالحياة حقًا، هذا الانفصال هو ما أتحدّث عنه. Read More

اللاقومية واللاوطنية

من أكثر الأمور التي تم محاولة زرعها في هذه الأجيال لتعزيز ثقافة الإنقسام بين الشعوب، فلان سوري ومصري وأردني ولبناني وسعودي وجزائري ومغربي.. الخ، مجرد كلمات لا معنى لها، ككلمة الوطن بالضبط، ما معنى الوطن ؟ لا شيء، إنه مجرد مكان بسيط وُلدتَ فيه على هذه المسكينة، أنت لم تختر وطنك، ولم تختر قوميتك، ولم يتم استشارتك حتى في ذلك، فعلى ماذا التفاخر والانتساب؟ أنا أفهم أن يفتخر الإنسان بعمله أو بشيءٍ صنعه، ولكنني لا أفهم مطلقًا أن يفتخر بشيء ليس له أي يدٍ فيه، من الذي خلقك على تراب هذا البلد أو ذاك؟ الله، فعلى ماذا وجود الوطنية والقومية؟

أكثر ما يثير اشمئزازي هو تلك التعليقات الجاهلة التي تراها هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي، “أنا فلان من الدولة الفلانية وأحب فلسطين” وتحته تجد 426 إعجاب، “أول شاب من البلد الفلاني يخترق موقع كذا”، “مخترع الشيء الفلاني هو من البلد الفلاني”، “اللي من الدولة الفلانية يسلخ لايك” تسلخك عنزة إن شاء الله، وكأنك اخترت بيدك أن تكون من هذه الدولة أو تلك.. لا أفهم كيف لشخص مُسلم أن يتخلى عن هويته كمُسلم ليأتي ويقول أنا من هذا البلد أو ذاك، عندما يصفك أحد باللاوطنية فعليك أن تفتخر، لأنك إنسان نقي من تلك العصبية الجاهلية التي تدعو للنزعة العرقية التي لم نجني من وراءها سوى وجع الرأس.

Read More

المهمة

في حياة كل إنسان منا خيار كبير ليتخذه، البعض يفضل العيش بطريقة عادية كمليارات البشر السبعة الذين يولدون كل يوم ويدرسون بالمدرسة ثم يتخرجون من الجامعة ويتزوجون ويشترون بيتًا وسيارة وينجبون أولادًا ثم على الدنيا السلام، مجرد أعداد وهمية لن يتذكرهم أحد بعد مئة سنة من دفن رُفاتهم، ليس لأنهم فعلوا شيئًا سيئًا، بل لأنهم لم يفعلوا شيئًا من الأصل.

الحياة هي اختيار، إن كنتَ تريدُ العيش كفردٍ عادي فذاك خيارك، ولكن لاتتوقع البتة أن يكون لك مكان بين أولئك الذين خلدَ التاريخ أسمائهم وقصص نجاحهم [أنا لستُ أفضل منك بالمناسبة والكلام موجه لي]، أنت لديك بصمة واحدة لكلتا عينيك، وبصمة واحدة لإصبع إبهامك، ولكن قد يكون لديك الملايين من البصمات على البشرية في حال وضعتَ لنفسكَ مهمةً لتحقيقها، إنها خسارة روحية فادحة للبشرية بكل روحٍ تولد كل يوم لتموت بعد 70 سنة ولم تقدم شيئًا للبشرية سوى عدد إضافي، أنت لاتتصور معنى العيش العادي بالنسبة لشخص يفكر خارج الصندوق، إنه أقرب للانتحار الروحي، ماذا قدمتَ لأمتك؟ لاشيء، تلك قيمتك، وهذا أثرك.

ماهي المهمة؟ حددها الله بقوله: {وما خلقتُ الجنّ والإنس إلّا ليعبدون} ولكننا نخطئ جدًا هنا إن فسّرنا العبادة بالصلاة والصوم والزكاة، العبادة هدفٌ أكبر من ذلك بكثير، فقط اجعل الله راضيًا عنك، ولكلٍ طريقته، المهم ألا تكون إنسانًا عاديًا مثلك مثل الملايين غيرك، ضع لنفسك مهمةً واضحة في حياتك واسعى لتحقيقها.

على الجانب الآخر لا يمكن للجميع ألّا يكونوا “عاديين”، من سيقوم إذًا بالمهام الروتينية التي نراها ونحتاجها كلّ يوم؟ بل على العكس أيضًا، 90% من البشر يجب أن يكونوا عاديين لكي تستمر الحياة، وهنا يأتي دورك في تحديد طريقك: حياة مريحة بنهاية صغيرة أم حياة أليمة بنهاية كبيرة؟ لذا كلامي هنا لن يكون موجهًا للجميع، هذه طبيعة الحياة.

سيكون شعورًا رائعًا حقًا وأنت تلفظ آخر أنفاس حياتك، لكنك تعرّف أنّ المهمة اكتملت، أنك حققت وجودك في هذه الحياة ولم تعد تريد شيئًا آخر من البقاء فيها، إنّها لذّة تحقيق الوجود.