تمر هذا الشهر 3 سنوات على حذف حسابي من فيسبوك والتخلص منه، شرحتُ أسبابي لفعل ذلك في التدوينة الأولى، ثم سجّلت شعوري في العام الأول وكذلك في العام الثاني.
الآن نحن في العام الثالث.
ما تزال النعم التي أُحطتُ بها عند تخلصي من فيسبوك تزداد، ولا تكادُ تحصى.
مضت خلال هذه السنوات الكثير من الحوادث والمُجريات التي علّق الكثير من الناس عليها؛ ترامب، بايدن، الانتخابات، تفجير لبنان، كورونا، اللقاح ، الصين، طالبان، التغير المناخي، الذكورية، النسوية، قتل الزوجات لأزواجهن وقتل الأزواج لزوجاتهم، استجواب الشيوخ في مصر، العنصرية ضد السوريين… قضايا كثيرة أشبعها أهل العالم الأزرق ضربًا وطحنًا ونقاشًا بين بعضهم البعض، ثم ذهبوا في اليوم التالي وكأن شيئًا لم يحصل ليبحثوا عن مواضيع أخرى ليطحنوا بعضهم فيها.
الحمد لله الذي عافانا من كل ذلك، الذي عافانا من أن نقول كلمةٍ لا نلقي بها بالًا قد نهوي بها إلى النار، أو يرتفع ضغطنا أو ينخفض فقط لأن أحد مجاهيل الإنترنت يريد الخوض معنا في عراك.
- “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”.
- “إنَّ أحبَّكم إليَّ وأقربَكم منِّي في الآخرةِ محاسنُكم أخلاقًا، وإنَّ أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم منِّي في الآخرةِ أساوِئُكم أخلاقًا الثَّرثارونَ المُتَفْيهِقونَ المُتشدِّقونَ”.
- “قلتُ يا رسولَ اللهِ، ما النَّجاةُ؟ قال أمسِكْ عليكَ لسانَكَ، وليسعْكَ بيتُك، وابكِ على خطيئتِكَ”.
انظر إلى هذه الشريعة العصماء كيف تدفع الناس إلى تقليل الكلام، والسكوت، والانكباب على العمل وفعل الخير، بينما جميع مواقع التواصل هذه أول ما تستفح عليك به: “بماذا تفكر يا محمد هاني؟ عن ماذا تريد أن تكتب؟ فلان علق عليك ورد على منشورك وكتب كذا وكذا”.
الغيبة والنميمة التي حذّر منها هذا الدين، تشجع هذه المواقع عليه عبر أزرار “إعادة المشاركة” فيبدو لصاحب المنشور أن فلانًا وفلانًا يقولون عنك كذا وكذا وكذا.
ومن أجل ماذا؟ للتسلية وإضاعة الوقت، وحتى هذه الفائدة التي تظن أنها فائدة ليست كذلك بالواقع، وقد شرحتُ في المقالات السابقة كيف أن كتابًا واحدًا تقرؤه عن المجالات التي أنت مهتمٌ بها تغني عن ألف ألف منشور فيسبوك مبعثر هنا وهناك، لأن الكتب مكتوبة بمنهجية وتسلسل ومواضيع محددة ومن خبراء، بينما المنشورات الاجتماعية مجرد جرعة دوبامين أراد أن يستفزها أحدهم.
أريد من الناس أن يتخلوا عن هذه المواقع والعادات السيئة، أريدهم أن يتحرروا كما تحررت.
وجدتُ أن أفضل حلٍ لذلك إشغالهم – لا شعوريًا – بالقرآن، وهذا عن طريق فيسبوك نفسه. نعم، فيسبوك الذي تركتُه قبل 3 سنوات صرتُ أستعمله كأداة لإخراج الناس منه.
صفحتنا “دقائق من القرآن” التي تحدثتُ عنها مسبقًا في موضوع الأتمتة، تكاد تقترب إلى 100 ألف متابع. آية بسيطة يسمعونها – مُختارة بعناية لتحدث فيهم تأثيرًا – قد تُخرجهم من الوحل الذي هم فيه. من أجمل لحظات حياتي عندما يسألني أحدهم عن اسم القارئ في تلك المقاطع الصغيرة، لأتفاجئ به بعد أسبوع وهو ينشر تلاواتٍ على حسابه لوحده بدلًا من التفاهات التي كان ينشرها مسبقًا. تتغير حياته ويتغير ما يستمع إليه، فقط لأنه سمع مقطعًا جميلًا لتلاوةٍ جميلة على صفحة فيسبوك رآها بالصدفة.
لا يمكننا إخراج الجميع ببساطة وسهولة من ذلك القفص، لكن تحويلهم على الأقل من التفاهات إلى أسمى ما يمكن للإنسان أن يسمعه في الوجود خطوةٌ أولى. لا يمكننا حل المشكلة من جذورها بكبسة زرّ، لكن يمكننا استعمال نفس الأنظمة وفق المقدور عليه للخلاص منها.
أدعو جميع من يقرأ هذه التدوينة، إلى فعل نفس الأمر وترك ذلك العالم الأزرق يحترق بما فيه، ورؤية الحياة كما هي في الواقع ثم العمل على تغيير النفس وتغييرها، فما تعلمه من مشاكل وعيوب نفسك جديرٌ بأن تغلق عليك بابك، وتبكي على خطيئتك.
سأحاول ذلك وأفكر بالأمر منذ مدة.
تقريبًا لي سنتين إلى الآن من اتخاذ قرار الإغلاق، وكان من أفضل القرارات التي اتخذتها في حياتي.
شكرًا لك على التذكير بأهمية هذا الموضوع.
جزاكم الله خير الجزاء
نصيحة رائعة ادعوا الله أن يستفيد منها عباد الله
واقعنا يحتاج لمثل هذه الأفكار
من المفيد جدا تشكيل مجموعة لنشر الوعي بالنصح والارشاد بين الناس
فأحب الناس إلى الله أنفعهم إلى للناس