عملتُ إلى هذه اللحظة واهتممت بالكثير من المجالات: البرمجة، إدارة الخواديم، البرمجيات المفتوحة، تطوير الويب، التدوين وصناعة المحتوى، الترجمة، تحليل البيانات، الدعم الفني وغيرها من الأمور. لا أشعرُ بتاتًا بالميل التام إلى واحدٍ منها فقط. أشعر وكأنّي أحبّها جميعًا وسعيدٌ بالخبرة التي اكتسبتُها فيها جميعًا. لدي اهتمامات عامّة أيضًا بالسياسة، الدين والفلسفة. لا أشعرُ أنني قد أتخلّى عن واحدٍ منها قريبًا.
هناك نوعٌ من الناس لا يناسبه التخصص طيلة حياته في مجالٍ واحدٍ فقط. لا يمكنك أن تُجبر جميع البشر على أن يكونوا إمّا مهندسين أو مبرمجين أو مطورين أو مترجمين. الكثير من البشر – في الواقع ربّما 90% منهم – لا مشكلة لديهم في ذلك بل يفضّلون هذا النمط. ولكنّه لا يناسب الجميع. ولا يجب فرضه على الجميع.
المشكلة هي أنّه أوّل سؤالٌ يتم تلقينه بشكلٍ لا واعٍ إلى الأطفال: ماذا تريد أن تعمل عندما تكبر؟ الإجابة دومًا مكوّنة من كلمة واحدة. طبيب أو مهندس أو شرطي أو.. لا أحد منّا تمكّن أن يقول: أريد أن أعمل الكثير من الأشياء. لا يهمني التخصص. أريد عمل تغييرٍ حقيقي في الدنيا مهما كان الجهد الذي يجب أن أدفعه، لا تسألني الآن عن عملي بعد 15 سنة، فقد يكون مختلفًا عن عملي بعد 16 سنة.
ميزّة متعددي المواهب هي قدرتهم على الدمج بين أكثر من تخصص للحصول على شيءٍ جديد. هذه القدرة رائعة حقًا وتفتح آفاقًا مذهلة. لا حاجة لهم للقيام بكلّ العمل. يمكنك القول أنّهم صلة الوصل بين التخصصات المختلفة والأشخاص المتخصصين في واحدٍ من تلك التخصصات. هؤلاء يعصرون أذهانهم للخروج بأفكار جديدة ونظريات لامعة وهؤلاء يقومون بالتطبيق والبناء على أرض الواقع. كلاهما مهم، لا يمكننا الاستغناء عن أيٍ منهما.
لا تجعل الأطفال يتخلّون عن أفكارهم وطموحاتهم المتعددة فقط لأنّ عليهم إجابتك على سؤالٍ من كلمة واحدة.
إن كنت واحدًا من هؤلاء وتشعر بالسوء واليأس لأنّه لا يوجد لك تخصص معيّن، ولا يوجد كلمة لتقولها عندما يسألك: “ما عملك؟ ما وظيفتك؟ ما تخصصك”؟ فتوقف عن ذلك. لا تشعر بالسوء. الأمر طبيعي تمامًا. لا حاجة لك بأن تتغير أيضًا لتصبح متخصصًا. ابقى على ما أنت عليه طالما أنت سعيدٌ بذلك.
هناك مقولة تاريخية ساخرة تقول: Jack of all, king of none، ولكن يطيب لي تحويرها قليلًا لتصبح مناسبة: Prince of many, king of one.
في الحقيقة أنا واحد من هؤلاء الأشخاص الذين لا يعرفون بماذا يجيبون عندما يسألهم أحد ما عن وظيفته. فقد أنعم علي الله سبحانه وتعالى بالعديد من الإمكانات. ولكن صدقني أن تعمل بمجال واحد مخصّص أفضل بكثير ومردوده أعلى بكثير. من غير الممكن أن تكون محترفًا بعدة مجالات بآن واحد، بل إنّ التشتت في مجلات العمل المختلفة قد جعلك تشعر بالتعب والإرهاق النفسي.
بعد الثلاثين ستدرك تمامًا أكثر بما أعنيه.
نفس المشكل والله لكني استطيع التاقلم مع اي مجال والحمد لله في نفس الوقت خلتني هذه المجﻻت متشتت وﻻ اعرف الى يومنا هذا ماذا اعمل حاس انني في الظياع !
اعمل في واحدٍ منها، ثم في اليوم التالي انتقل إلى الثاني منها، وابقى على تطوير مهاراتك فيها. جميعنا أحسسنا بالضياع في البداية ولكن مع الوقت يتلاشى ذاك الشعور. كما قلتُ: هدفك ليس أن تحترفها جميعًا. هدفك أن تأخذ من كل واحدة ما تحتاجه ثم تدمجه في اختصاصك الأساسي الذي أنت شغوفٌ به.
لا، ليس أفضل ولا ذي مردود أعلى بكثير. هو كذلك بالنسبة لك ولكن قد لا يكون كذلك بالنسبة لغيرك. إن كنت تحب التخصص فهذا ما تريده وتحتاجه ولكن إن كان غيرك لا يحب التخصص فلا مشكلة في ذلك أيضًا بالنسبة له. مهمّته ليست أن يكون محترفًا في الرياضيات والفيزياء والطبّ والبيولوجيا جميعًا، مهمّته فقط أن يأخذ ما يحتاجه من كل مجال ليدمج بينها. يمكنك أن تكون محترفًا بعدّة مجالات في آن واحد وهناك العديد من الأمثلة التي يمكنك البحث عنها.
ربما أنا وأنت لا نتحدث عن نفس الحالة تمامًا. بالنسبة إلي فأحيانًا أعمل بثلاثة مجالات مختلفة و”منفصلة” عن بعضها. الأفضل بالطبع أن يكون هناك مجال مخصّص أعمل به. ليس من أجل المال فقط، بل من أجل الاستقرار النفسي.
لا أستطيع القول أنّني نادم على ما فعلت في حياتي، فلقد كنت أستمتع بما أفعل. ولكن إذا كان وصف حالتي ينطبق عليك فالأفضل التخصّص بجانب محدّد، والزمن كفيل أن يثبت وجهة نظري والله أعلم.
هناك مقولة تاريخية ساخرة تقول: Jack of all, king of none، ولكن يطيب لي تحويرها قليلًا لتصبح مناسبة: Prince of many, king of one.
هذا جميل..
أوافقك بالرأي..
لكن المشكلة تكمن عندما يريد الشخص الدراسة في جامعة ما, للاسف لايمكنك إيجاد فرع ما مبني على خبراتك السابقة.
من عنده علم بأكثر من مجال يستطيع أن يخدم أحدهما عن طريق الآخر، فالطبيب الذي يهوى الميكاترونيكس مثلًا هو أقدر الناس على صناعة آﻻت تعينه في العمليات الجراحية. بما أن تلك حالك أيضًا، فربما يمكنني الاستنتاج أننا -INTJ- لم نخلق لنعمل في مجال فنّي -حرفي- كأن نكون مهندسين أو أطباء أو غير ذلك لعشرين أو ثلاثين عامًا، فإني ﻻ أستطيع تخيل ذلك حين أفكر في حالي لو كنت نجحت في اختبارات التقدم للهندسة.
وإني أرى نفسي تسعى لزيادة ما تحت يدي من المال، وليس التقدم في مجال بعينه من أجل الترقي فيه مثلًا، ثم أستخدم ذلك المال في توظيف من هم أكفأ مني وأقدر على تنفيذ الحلول التي أراها لبعض المشاكل الموجودة في السوق، فهذا خير وأفضل، فلأن أكون مثل عبدالرحمن بن عوف وعثمان وأبني مشفىً بأموالي به مئة طبيب يعالجون الفقراء وأنفق أنا عليهم خير لي من أكون أنا طبيب واحد يتمنى لو وجد من يموّله لتخفيف آلام الفقراء.
وأفضل مثال موجود الآن لمثل هذه الحالة هو إيلون ماسك، فهو يستخدم خلفيته الفيزيائية والاقتصادية والبرمجية في رؤية حلول، أو قل في رؤية مشاكل، لم يكن ليراها لو لم يكن له كل ما درسه من قبل.
أتفق معك أسامة وأشعر بنفس شعورك، أعرف البرمجة وإدارة الخواديم والتدوين وغيرها، لكنني لا أتخيل أن أعمل في واحدٍ منها كموظف لبقية حياتي. التحوّل إلى رجل أعمال ناجح أو عمل مشاريع مصغّرة أو دعم الآخرين أو غير ذلك هو ما قد أطمح إليه، ولكن ليس عيش 25 سنة في وظيفة معيّنة.