عندما كنتُ صغيرًا كنّا نسكن ببيتنا القديم في حيّ العزيزية بحلب. كان من جيراننا زوج وزوجة لديهما ولدان اثنان، كانت هذه العائلة كثيرة المشاكل لكنني ككل الأولاد كنت ألعب معهم من حينٍ لآخر وكنا نذهب لنشتري الحاجيات من البقّال مع بعضنا البعض. حياة روتينية بين الجيران.
وصلني اليوم للتو خبر مقتل الأمّ والابنين الاثنين بقذيفة أثناء عبورهما الحدود التركية السورية.
لقد كنّا نسكن نفس المبنى وظللنا نسكنه لسنوات، لكن سبحان الله كيف اختلفت حياتنا هذا الاختلاف الكبير.
الأولاد لم يكونوا متعلمين ولم يذهبوا للمدارس بينما أنا ذهبت. وكانوا من الطبقة الفقيرة عمومًا ولذلك حالهم لم يكن مستقرًا، وقد كانت هناك مشاكل عائلية جمّة في عائلتهم. عمل الأولاد في المهن الحرفية المختلفة من نجارة وحدادة والمطاعم وغير ذلك ولم يتمكنوا أبدًا من متابعة الدراسة.
اليوم وبينما أنا أتجهز للبدء بإعداد أطروحتي بالماجيستير عن شبكات الجيل الخامس والشبكات المركبية والخصوصية، لا يسعني سوى أن أتذكر شريطًا طويلًا من الذكريات مع أولئك الأطفال الذين عاشوا حياةً طويلةً من المشاكل والمعاناة والفقر، ثمّ انتهت حياتهم بقذيفة أثناء محاولتهم الهروب من تلك الحياة.
إنه من المثير للاهتمام جدًا كيف تختلف حياة ساكني المبنى، وكيف تختلف الأقدار التي كتبها الله لهم.
لا يسعني هنا سوى التذكير بأننا نحن، أهل النعم الذين أنعم الله علينا بوسائل التعلم والعلم والرفاهية والاستقرار المختلفة، علينا واجبٌ ومسؤولية ضخمة لا يمكن أن يستوعبها عقل. وهي مسؤولية تكبر كل يوم ولا تتوقف عن النمو، بينما نحن في ذواتنا نصغر للأسف منزوين في زوايانا حول مشاكلنا التافهة وأزماتنا المفتعلة.
من الواجب علينا أن ننشر كل ما لدينا من علم لمن استطعنا، وأن نغير حياة كل من دوننا في الإمكانيات والرزق للأفضل. هذه النعم الجمّة التي أحاطنا الله بها هي شيءٌ سنُسأل عنه يوم القيامة وعن ماذا فعلنا فيها عندما قدرنا عليها.
صافي كان اسم الفتى الذي كنتُ ألعب معه، بين السيارات والحارات.
رحمة الله عليك يا صافي أنت وأهلك، وأسأل الله أن يبدلكم حياةً أفضل من الحياة البائسة التي عشتموها في هذه الدنيا.
عظم الله اجركم وانا لله وانا اليه راجعون وسبحان الله كيف الحياة تأخذ منا الاقارب والاحباب شيئا فشيئا وكأنه نذير او محاولة تنبيه بقرب الأجل
نسأل الله العافية