فُجعتُ البارحة صباحًا بخبر وفاة الصديق يوغرطة بن علي – الجزائر. يوغرطة كان مؤسس المجلة التقنية وكان مديرًا لأكاديمية حسوب لفترة وله عدة مشاريع تقنية أخرى، يعرفه معظم المدونين التقنيين العرب لسبقه في هذا المجال.
عملتُ قبل خمس سنوات مع يوغرطة على العشرات من مشاريع ترجمة المقالات التقنية الإنجليزية إلى اللغة العربية لنشرها على أكاديمية حسوب. وقبل ذلك بعدّة سنوات كنتُ متابعًا لتجربته في المجلّة التقنية وهذا لكي أستفيد منها في تجربتي مع لينكس اليوم، تنافسنا مرّة ومجموعة من المدونات سنة 2011م على جائزة أرابيسك للمدونات وكان هو الفائز في التدوين الإخباري 🙂
آخر فترة بضعة شهور كان يوغرطة يقرأ الكثير من الكتب وينشر ملخّصها باللغة العربية على موقعه، وكنت شغوفًا بمتابعتها. في الفترة الذهبية للتدوين التقني العربي كانت المجلة التقنية من أول بضع مواقع يذكرها المرء عند الحديث عن التقنية باللغة بالعربية.
لم نتقابل من قبل ولا أعرف يوغرطة بدرجة شخصية كبيرة، ولكن من تعاملي معه عن بعد ومتابعتي لأعماله لمدة 10 سنوات، أقولُ أنّه كان إنسانًا بشوش الوجه وحسن التعامل والُخلُق.
موته المفاجئ هذا يحفّز الكثير من الأسئلة الوجودية في داخلي، وهو شاب في عزّ الشباب.
لقد كان يوغرطة مثلي وكنت مثله، ولهذا فإنني على الرغم من عدم التقائي به شخصيًا إلّا أنني أحس بوجع وألم الوفاة.
- الموت قريبٌ منّا جميعًا. لا نسمع نحن معشر التقنيين العرب عن كثيرٍ من أخبار الوفيات بيننا، ووفاة يوغرطة كان تذكيرًا قويًا وتنبيهًا بأنّ أيًّا قد يموت في أي لحظة تمامًا كأي إنسان.
- ما ستتركه ورائك مما أفاد الناس هو السبب في أن يترحّموا عليك ويطلبوا لك من الله المغفرة.
- لا وقت لتضيّعه. مجددًا: لا وقت لتضيّعه. تلك المشاريع التي ترغب في عملها والمقالات التي ترغب في كتابتها والأشياء التي تريدها… كلها قد تنتهي فجأة في أي لحظة مع موتك ولا تدري متى يحصل هذا.
- الخلق الحسن وبشاشة الوجه شيءٌ لا يقدّر بثمن. لا زلتُ أذكر كيف راسلني على تدوينة نشرتها قبل سنة عمّا حصل لي مسبقًا ورغم أنها رسالة قصيرة وبسيطة إلّا أنّ وقعها كان كبيرًا عليّ وقتها وأقول يا لجمال هذا الإنسان الذي أخذ من وقته دقيقة ليهنّئني ويتمنى لي الخير. ويا سبحان الله كيف يتابع حياته من كاد يموت ببضع طلقات من قنّاص في حرب بينما يموت مبكرًا من يعيش بين بلاده وأهله.
- صار لديّ الآن دافعٌ آخر للتدوين والتأليف بالعربية. لا أظن أنّ الأجانب سيترحمون عليّ بسبب المقالات التي نشرتُها لهم، كل ما سيقولونه RIP وهذه الـRIP لن تنفعك تحت الثرى.
- على المرء أن يبادر بإنشاء الصدقات الجارية اليوم قبل الغد، سواءٌ كانت مشروعًا مستمرًا أو كتابًا أو أي شيء.
- أحتاج مراجعة نفسي وطريقة تعاملي مع الآخرين. رغم أنني أمضيتُ وقتًا طويلًا في محاولة إصلاح نفسي الخشنة والفظّة والقاسية إلّا أنني لاحظتُ أنّه هناك فرقٌ كبير بين أسلوب ردودي وأسلوب ردود يوغرطة، وأنّ كثيرًا ممن ترحّموا عليه أشادوا – مثلي – ببشاشة وجهه وصدره الرحب وخلقه الكريم. ولعل هذا من فضل الله على حامل القرآن.
- أحتاج أن أكون أقرب إلى أخبار الموت، وأن أسأل الناس كل يوم: “من فقدتم اليوم ومن كانوا”؟. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “كفى بالموت واعظًا”، ويبدو أنني انهمكت في تفاصيل الحياة اليومية حتى شرّدتني عن هدف ودافع حياتي، حتّى فاجئني هذا الخبر وتذكّرت أنّ الموت أقرب إليّ مما أتصوّر.
إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ورحم الله صاحبنا وأسكنه فسيح جنّاته.
الله يرحمه ويرزقه فسيح جنانه
نعم بالفعل جعلنا موت الأخ يوغرطة كلنا نقف مع أنفسنا متذكرين بأن الموت في أي لحظة.
منتظرين جديدك الأخ هاني، لأن مدونتك من المدونات العربية المميزة التي أتابعها.
شكرًا لك يا شوقي، آمل أن أكون عند حسن ظنّك.
كان اخي يوغرطة. دائم التفكير في أصدقائه وخاصة صديق سوري يحكي عنه كثير ا في زمن الأزمة وكان يسعى ان يجد له حلا لادخاله إلى الجزائر لكنه لم يقدر وكان متأثرا بحاله كثيرا. ارجوا من يعرف صديقه السوري يخبره بذلك
عظّم الله أجركم وأحسن عزائكم يا طارق.
لا أعلم بالضبط من هو صديقه ذاك ولكن لعله يرى هذا التعليق.
ألهمكم الله الصبر.
بارك الله فيكم جميعا .والله افتقدت الاح الصغير الذي عجنته بيدي واصبح معلمي عندما كبر
جزاك الله خيرا أخي محمد على هذه المقالة
وبارك فيك، لقد ذكرتنا بما هو مهم في هذه الحياة القصيرة