تمتلأ مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها بتعليقاتٍ عن مشاهير وعلماء ومبدعين كمثل: “لولا هذا الرجل لما حصل كذا، لولا تيسلا لبقينا في الظلام، لولا صلاح الدين الأيوبي لكان القدس محتلة إلى اليوم، لولا ابن حنبل لضاعت الأمّة بفتنة خلق القرآن ولاعتنقناها إلى اليوم”، وهذا من جُمل الأخطاء الفكرية الشائعة التي يعتقدها الناس اليوم، والحقيقة هي أنّه لولا هؤلاء الناس لجاء غيرهم ليحلّوا محلّهم، الأمر بكل تلك البساطة.
يقولون الحاجة أمّ الاختراع، طالما ما تزال البشرية بحاجة إلى شيء فحتمًا ستجد من يخترعه أو يكتشفه أو يفعله، لو لم يكن صلاح الدين الأيوبي لكان والده نجم الدين، لو لم يكن كولومبوس من اكتشف القارّة الأمريكية لكان واتسون، لو لم يكن الأخوان رايت هما أوّل من حلّق بالسماء في تاريخ البشرية عام 1903 بالطائرة لكان Samuel Langley وفريقه نجحوا بمشروعهم المموّل من وزارة الدفاع آنذاك بدلًا عنه ولتمكّن هو من الطيران لأوّل مرّة، الحياة لا تتوقف على أحدهم.
قدر الله ومشيئته ماضٍ لا محالة، هل تعتقد أنّ العالم كان ليكون أفضل لولا جنكيز خان؟ هل تعتقد أنّ العالم الإسلامي كان ليستمر بصعوده لولا الهجمة المغولية؟ ببساطة كان ليأتي أحد إخوته أو أقاربه بنفس الهمجية ليقوم بنفس المهمّة، ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
بعضهم يفخر بصلاح الدين وتحريره القدس ويقول لولاه لما تحررت، هو لا يعلم أنّ صلاح الدين ما هو إلّا فرد من جيلٍ تربّى على الصلاح بعد قرابة مائة عام واستغل المكان المناسب في الوقت المناسب ليفعل ما فعله، لولا صلاح الدين؟ لجاء غيره وحرر القدس، ببساطة.
نعم نحن نحترم ونحفل بأولئك الناجحين المبدعين، العلماء والقادة والمفكّرين الذين أوصلونا إلى ما وصلنا إليه اليوم، ولكن علينا أن نعلم أيضًا أنّه لولاهم لوصلنا أيضًا، لم يكن قدر البشرية ليتغير لولا وجود فلان.
عن ابن عباس رضي الله عنه: “إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ، فَقَالَ : يَا رَبِّ، وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبِ الْقَدَرَ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ” – كتاب القدر للفريابي.