سنتان على التخلّص من فيسبوك

قبل سنتين بالضبط وفي مثل هذا اليوم، حذفتُ حسابي على فيسبوك بالكامل بعد أن كنتُ على تواصل بأكثر من 1600 شخص فيه ما بين صديق ومتابع. ونعم القرار والله ونعم الخيار.

تحدثت في نفس تلك التدوينة والتدوينة الأخرى التي كتبتُها قبل عام عن أضرار فيسبوك كشبكة اجتماعية وفائدة التخلص منه ولن أكرر ما قلته، لكنني أريد أن أحدثكم عن بعض التغييرات التي حصلت على حياتي ضمن تلك الفترة.

  • صفاء عيش وراحة بال لا مثيل لها. لم يعد هناك نافذة للنقاش معي إلا أن كان الشخص أمامي وأعرفه ويعرفني وليس مجرّد عابر سبيل مجهول على فيسبوك لا يبالي بخُلُق ولا دين. عندما تغلق أبواب النقاش مع الضوضائيين ولصوص راحة البال فسترتاح بشكل لا تتخيله.
  • الراحة النفسية من سماع صوت الإشعارات ورؤية “فلان قام بالرد على تعليقك” شيء لا تتصوره. عندما ترى تلك الإشعارات – وخصوصًا إن كان النقاش محتدم – فستشعر بقلق نفسي وارتفاع بالضغط في كل مرة تجد إشعارًا جديدًا ممن يرد على تعليقاتك، وهذا على مدار اليوم وعلى امتداد السنوات التي تستعمل ذلك الموقع اللعين فيها. ماذا يقولون عمّا كتبته؟ ماذا يقولون عني؟ مالذي قالوه بعد مشاركة منشوراتي؟ من يتابع من؟ كل ذلك الهراء انتهى.
  • صرتُ أكثر قدرةً على تحجيم الأمور بشكلها الحقيقي. عندما ترى منشورًا عن ترويج الشواذ بين اللاجئين السوريين في ألمانيا مثلًا وتحته بضع عشرات من آلاف الإعجابات التعليقات فحينها تقول نحن في كارثة حقيقية. ثم عندما تنظر إلى الواقع لا تجد عدد من يدعمون ذلك سوى بضع عشرات من السقط. فيسبوك يعطي الأمور حجمًا أكبر أو أقل من حجمها الحقيقي وهذا في قضايا مختلفة.
  • ستتخلص من الضغط “الفيسبوكي” لإرضاء المتابعين والمعجبين. هذا شيءٌ يتسلل إليك كنفاق دبيب النمل دون أن تشعر حيث تصبح منشوراتك وتعليقاتك هي لإرضاء المتابعين بدلًا عن قول ما تعتقده حقًا بغض النظر عما يظنونه. وهذا التأثير تدريجي ويزداد مع مدة بقاءك في هذه المنصّة، وهذا شيءٌ ألحظه جدًا في الناس، أن من يستخدمون هذه الشبكات بكثرة هم أكثر عرضة للانسحاق الثقافي أمام الغير مقارنةً بأولئك المنعزلين عنها.
  • هناك نوع من الوهم الذي يبيعه فيسبوك وهو أنّه مصدر للمعرفة. فيسبوك ليس مصدرًا للمعرفة ولكن بسبب متابعتك لذوي العلم وأصحاب الهمم فيه ومتابعتك لما ينشرونه هناك تظن أن هذا مصدر حقيقي مفيد للمعرفة وتظل تريد أن تتمسك به، لأنّه ليس لديك بديل، أو تتوهم أنّه ليس لديك بديل. بعد أن تتخلص منه، ستجد أنّك كنت محبوسًا في فقاعة صغيرة ضمن كامل الكون الأعظم. لأنك ستضطر بعدها أن تتحول لمصادر من نوع آخر كالكتب والدورات والمقالات، وإذا ضبطت الأمر بمنهجية بدلًا من العبث فحينها ستندهش وتتساءل لماذا كنت طيلة عمرك في الفقاعة بدلًا من أن تخرج للكون الأعظم؟ كتاب واحد تقرؤه بل وسلسلة كتب تقرؤها بمنهجية ستعطيك من المعارف ما لا يعطيك إيّاه مليون منشور فيسبوك.
  • النضج. أنت لم تعد مطالبًا بالتعليق على كل حادث أو خبر كبير يحصل في العالم وبالتالي تفكيرك ورأيك حوله سيكون أكثر تركيزًا ونضجًا. إذا كنت ترى 100 شخص على فيسبوك من أصدقائك يتحدثون ويهرون حول تفجير لبنان فحينها أنت كذلك ستتحفز للهري معهم.
  • الوقت. كل هذه الأوقات التي كنت تضيّعها على ذلك المواقع صارت ملكك الآن لتصرفها في شيءٍ آخر تراه مناسبًا في حياتك.

ما زلتُ أدعو الناس إلى أن يتركوا هذه المنصّات ويتجهوا إلى شيءٍ يمكنهم أن يتحكموا به أكثر: أنفسهم. لا تحتاج أن تعرف الأخبار ولا ماجرى في العالم وخبر مقتل سليماني وأخبار كورونا وسقوط الطائرات ثم تفجير لبنان… كل هذه الأخبار مرت عليك بعد أن أنهكت نفسك في متابعتها والرد على الناس بشأنها ثم تركتها وتخلّصت منها ولم تعد إليها مرةً أخرى. صارت مجرد أوقاتٍ صرفتها بالعبث على شيءٍ لا يفيدك.

هناك حيلة أخيرة قد يلجأ إليها الشيطان: أن يقنعك أنّك بحاجة إلى أن تظل هناك لتظل على تواصل بأصدقائك ومعارفك والصفحات والمجموعات التي تديرها. حل هذه المشكلة بسيط عبر حذف حسابك الأساسي وإنشاء حساب بديل يكون فيه الصفحات التي تديرها والناس الذين تريد التواصل معهم فقط، دون وضعك لأي تسجيل إعجاب لأي صفحة أو متابعة أي شخصية أخرى. هكذا حتى لو فتحت حسابك هذا فستجده فارغًا طوال الوقت فلن تعود إليه إلّا عند الحاجة القصوى، وستحافظ على إمكانية النشر في مجموعاتك وصفحاتك لبقية الناس.

5 comments / Add your comment below

  1. أحب أن أضيف بالنسبة لقائمة الأصدقاء وحلية الشيطان الأخيرة التي يلجأ إليها ويمكن هذا أكثر سؤال كان يتم طرحه علي عندما قررت حذف حسابي أيضًا كيف سنتواصل معًا كأصدقاء؟
    الإجابة: من يريد أن يتواصل معي سوف يعرف الوصول إلي، على سبيل المثال هناك صديق يتواصل معي عبر البريد وآخر عبر zoom وآخر عبر Skype وهذه بدائل قوية جدًا والأفضل من كل ذلك مكالمة هاتفية وانتهى الأمر.
    شكرًا على توثيق التجربة يا محمد وأتمنى لك التوفيق.

    1. جميل يا محمود، وسائل التواصل البديلة فعلًا تحل المشكلة.

      شكرًا لك على مشاركتنا.

  2. ما شاء الله، رقم قياسي كبير وجهد مشكور.
    أنا أيضاً في هذه الفترة أقوم بتجربة الابتعاد عن الفيس بوك لمدة 15 يوماً كتجربة أولى، وأقوم بتوثيق تجربتي يوماً بيوم على مدونتي:
    https://reviewhangy.wordpress.com/2020/09/02/day-4/
    واللطيف أنني عرفت تدوينتك هذه من خلال منشور لي على منصة حسوب أشارك فيه تجربتي:
    https://io.hsoub.com/exp/110199-%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%AA%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D8%B3-%D8%A8%D9%88%D9%83-%D9%84%D9%85%D8%AF%D8%A9-15-%D9%8A%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%85%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D9%8A%D9%88%D9%85%D9%8A%D8%A7

    وقام أحد الأعضاء مشكوراً بوضع رابط مقالك وتجربتك فدخلت لقراءتها.
    تجربتك فريدة من نوعها ومقالك أظهر الجوانب الإيجابية من التجربة بشكل واضح، أحسنت.

  3. فعلا ما قلته صحيح تماما، ولكن الرجاء وضع توثيق المصادر بديلة الفيسبوك … وانا ايضا اطمح التخلي عن فيسبوك ولم احدد بعد متى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *